أكد المعارض السوداني نصر الدين كُشيب الأمين العام للحركة الشعبية بالقاهرة ان الثورة السودانية هي أقدم ثورات الربيع العربي، لأنها تمخّضت عن ثورة أكتوبر 1964 وانتفاضة ابريل 1985، أي أنها اشتعلت منذ نصف قرن، موضحًا ان الجميع في السودان يخشى ان تؤدي الثورة إلى انقسام السودان إلى عدة دويلات. وقال: الأسلم للسودان سرعة وضع إجراء استباقي لحل هذه المواجهات، وعليها ان تضع خريطة طريق لقيام نظام جديد، كإجراء استباقي يجنّب البلاد أي مواجهات دموية أو وصاية دولية على السودان، كما حدث في جنوب أفريقيا "اليوم"التقت بكُشيب في الحوار التالي: في ظل التطورات التي تشهدها السودان منذ جمعة لحس الكوع، الجميع يريد ان يعلم ماذا يحدث في الخرطوم؟ وهل ترى أن الاحتجاجات التي يشهدها السودان انعكاس لثورات الربيع العربي؟ الجميع يعلم جيدًا ان الوضع في السودان مختلف كثيرًا عن أوضاع دول الربيع العربي، لأن الثورة ضد النظام في السودان بدأت قبل الربيع العربي، لكنها أخذت طابعًا مسلحًا، فما يجري الآن في السودان هو شيء مختلف عما تمخض عن أكتوبر 1964 وأبريل 1985 لكن لا يعني هذا أنه لا يستلهمهما أو يتكئ على خبرتيهما، كانتفاضتين جماهيريتين، بل هو يتكئ أيضًا على كل الإرث النضالي لكل شعبنا، عبر تاريخه المجيد. ورغم ذلك الثورة في السودان الجميع يعلم أنها ستأخذ طابعًا دمويًا؟ هذا صحيح للأسف.. فالثورة في السودان انفجار يأتي في ظروف حروب داخلية منتشرة، ونزعة انقسامية متفشية، وتجربة مستبدة وفاسدة، تمامًا كما يأتي في ظل تحوّلات العولمة وما رافقها من ثورةٍ حقوقية وانتشار لقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان والإعلام الجديد وتهشّم أصنام العالم، بالتالي هي بكل الحسابات ثورة ضد كل أخطاء وجرائم الماضي والحاضر، ويجب ألا تنتهي بتسوية بين سيدين ومستعمرين أو انقلابيين أو غيرهم، ولكن تنتهي لصالح الشعب السوداني المتعطش للحرية والديمقراطية. إجماع على رفض النظام ولماذا هي ثورة مسلحة وليست سلمية؟ الحركات المسلحة هي أيضًا حركات ثورية، ورغم أنه يؤخذ عليها استخدامها للعنف، إلا أنها تعلن رفضها الواضح للنظام الحالي، وقد انضم لهذه الحركات المسلحة احتجاج ثوري شبابي كبير لا يمكن تجاهله، رغم أنه يقال إنه يعتمد على جهاتٍ أجنبية، ولكن حقيقة الأمر أنه انطلق نتيجة إخفاقات الحكومة السودانية، فضلًا عن الرأي العام الذي تخلقه قوى المعارضة، التي تعانى انقسامًا حادًا افي الجسم السياسي السوداني. وكيف يمكن الحدّ من إمكانية دخول النظام السوداني في مواجهات دموية مع الثوار والحركات المسلحة؟ الأسلم للسودان هو سرعة وضع إجراء استباقي لحل هذه المواجهات، وعليها ان تضع خريطة طريق لقيام نظام جديد، كإجراء استباقي يجنّب البلاد أي مواجهات دموية أو وصاية دولية على السودان، كما حدث في جنوب أفريقيا، عندما عقدوا دائرة مستديرة "الكودسا"، خاصة أن الخلافات في السودان ليست سياسية فقط، وإنما خلافات إثنية وقبلية وجهوية، كلها تغذي الأحقاد، وبالتالي ستتسبب في إراقة الدماء، بالإضافة إلى احتمال فرض وصاية دولية من مجلس الأمن، حال عدم اتفاق جنوب السودان مع شماله، وفقًا لقرار الأممالمتحدة رقم 2046. تيارات وأجندات وماذا عن الأحزاب والقوى المعارضة كالجماعات المسلحة وقوى الشباب المعارض أليس له دور؟ لكل تيار سياسي في السودان أجندة يريد تطبيقها، وهذه الأجندات ستفرض نفسها شئنا أم أبينا، فهناك جبهة ثورية تحمل السلاح، وشباب يسعى لحدوث انتفاضة. هذا ما نخشاه بالطبع.. فنحن نطالب بإسقاط النظام لتقرير مصير كل أقاليم السودان، كما هو في «المانفيستو»، لكن لا أحد يستطيع التكهّن إلى أين يمكن أن يصل هذا الصراع، أو في ماذا يرغب المجتمع الدولي، بالنسبة لي فأنا أرى أنه لابد من المحافظة على وحدة ما تبقى من السودان وأن أي تفكير آخر «غير مقبول». منذ ان بدأ الربيع العربي في تونس والتيارات الإسلامية في صعود مستمر في الوطن العربي كله، فما في رأيك في الأسباب الحقيقية للتخوف الكبير من تلك التيارات؟ اعتقد ان الطرح الصريح للإسلام مطمئن جدًا، فالمبادئ الأساسية التي يقوم عليها، هى الكرامة والحرية والعدالة والمساواة والسلام، فإذا نظرنا من الناحية النظرية، فهو مطمئن، لكن المشكلة في وجود تجارب إسلامية خلقت خوفًا من الشعار الإسلامى، لأن البعض ربطوا الإسلام بالاستبداد ونفي الآخر والتعصب، بالإضافة إلى النظرة الدولية العدائية، التي نفرت من الإسلام وربطته بالعنف العشوائي والقهر، مثل فتوى تنظيم القاعدة بقتل كل ما هو أمريكي وغير مسلم، بل وجعله فرض عين، أما إذا جاءت قيادة إسلامية والتزمت بقواعد الإسلام الأساسية وقبول الآخر، فيمكن تبديد المخاوف بالقول والعمل الصحيح. ثورتنا الأقدم هل تعتقد ان الثورة السودانية جاءت انعكاسًا للربيع العربي خصوصًا الثورة المصرية؟ الثورة في السودان أقدم بعض الشيء من الربيع العربي، فقد اندلعت الثورة في السودان في أكتوبر 1964 أي الثورة قائمة في السودان منذ نصف قرن ضد النظم العسكرية الاستبدادية، ولا ننكر أننا تأثرنا بالربيع العربي خصوصًا بالثورة المصرية التي تعدُّ نجاح أي تجربة بها شعاع نور للمنطقة كلها، فالنظام الناصري في مصر وصل إشعاعه لكافة الدول العربية والأفريقية، وهناك شاعر يمنى كبير يقول "ما نال مصر نعمة أو نقمة إلا أن وجدت لنا بذلك نصيبًا"، وإذا حدث انتكاس في مصر، ستشع إشعاعات سوداء في المنطقة كلها. البعض يتهم الحركة الشعبية بأنها السبب الرئيسي في تأجيج الفتن في السودان بتسليح المعارضة؟ أولًا هذا الاتهام غير صحيح.. فالفرقة العاشرة في منطقة جبال النوبة، والفرقة التاسعة في النيل الأزرق، كانت لهما علاقة عسكرية معروفة مع الجيش الشعبي، وعند حدوث الانفصال انسحب جيش الجنوب، وترك الفرقتين بكامل تجهيزاتهما العسكرية، بالإضافة إلى أن "الجيش الشعبي الشمال" كسب كل معاركه مع جيش المؤتمر الوطني في منطقة جبال النوبة طوال الحرب هناك، واستولى خلال العمليات التي كسبها على كمياتٍ كبيرة من المعدات العسكرية والناقلات من الجيش السوداني، فجيشنا يسلح نفسه من غنائمه من الجيش الحكومي، وجنوب السودان لا يزوّدنا بأية أسلحة، لأن الجنوب يعيش ضائقة اقتصادية لا تمكنه من تمويل أية حروب حتى إذا رغب، صحيح أن هناك علاقة نضالية بين الحركة الشعبية لتحرير السودان في الشمال والحركة الشعبية في جنوب السودان، لكن لا توجد علاقة "عسكرية" تسمح بتقديم التسليح والإسناد لنا. لماذا التفاوض؟ هل تسعون للتفاوض مع الحكومة السودانية بعد اندلاع الثورة؟ على ماذا نتفاوض بالضبط.. هل نتفاوض على "المشورة الشعبية"، لا أعتقد أن هناك حديثًا عنها الآن، لقد وصل الناس لمرحلة الحديث عن حل كل القضايا السودانية بصفةٍ عامة، ولم نعُد وحدنا، فهناك تحالف "الجبهة الثورية"، ويضم حركات دارفور المسلحة، بل وبعض الأحزاب السودانية مثل "الإتحادي الديموقراطي، وحزب الأمة"، ويسعى التحالف لاستقطاب مجموعات أخرى من المعارضة السودانية لحل القضية السودانية بشكل جذري، ولكن كل ما أخشاه بحق هو ان تتحوّل السودان إلى أجزاء، اخشى ان تنقسم السودان إلى دويلات كثيرة في دارفور وكردفان والنوبة وغيرها. وهل تحمل السودان مقوّمات الانقسام؟ كل جزء من ارض السودان يحمل مقوّمات الانقسام، أو ساهم النظام في ترسيخ هذا المبدأ، ففي السودان الكثير من العرقيات والأديان المختلفة، كل واحدة منها مهيّأ للانفجار في أي لحظة. وهل تعتقد انه بمقدوركم إسقاط النظام السوداني في الخرطوم من جبال النوبة بعمليات عسكرية أم بثورة سلمية؟ الاثنان مرتبطان بشكل وثيق.. العمليات المسلحة بالضغوط الشعبية الداخلية، وهذا ما كانت تنتظره المعارضة السودانية لإسقاط نظام البشير، وقد بدأ النضال من جنوب السودان، وانتقل إلى جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور، وبعد ان انفصل الجنوب وثقنا بشكل كامل في القدرة على إسقاط نظام الخرطوم عبر ثورةٍ مسلحة، فالقوى التي تقاتله ليست في جبال النوبة وحدها، هناك قوات مقاتلة في دارفور، النيل الأزرق، بل وفي شمال السودان الذي وصلت إليه الثورة. حركات الهامش ولكننا نعلم جميعًا ان تجربة الحركات "الجهوية" أو ما يُطلق عليها حركات "الهامش" المسلحة، كثيرًا ما تصل في الغالب لتسويات ومساومات مع المركز..؟ مقاطعًا: الجيش الشعبي ليس مكوّنًا من أبناء النوبة وحدهم، بل تشارك فيه كل أطياف السودان "المهمشة"، حتى قيادة الحركة الشعبية ليست مقصورة على أبناء النوبة أو النيل الأزرق وحدهم فهي حركة قومية، صحيح أن أبناء تلك المناطق أكثر باعتبار أن الثورة المسلحة انطلقت من منطقتهم. خبراء الشأن السوداني يقولون هذا ويربطونه بكون الحركة الشعبية الأم وصلت ل"مساومة" انفصل بموجبها الجنوب..؟ ليس صحيحًا.. كل الحكاية ان القائد عبدالعزيز الحلو قال إنه سيعمل على إسقاط نظام الخرطوم، وإذا لم تستجب له القوى السودانية الأخرى، فهو يستطيع الحرب داخل الولاية لعشرين سنة أخرى، لكن بعد تكوين "الجبهة الثورية"، لم تعُد الانتفاضة المسلحة فقط هي التي تعمل لإسقاط نظام البشير، فكل الشعب السوداني يشارك فيه. الانقسام والتقسيم تحدثت عن مصير الانقسام لبعض المناطق السودانية، هل يمكن أن يصل الحد إلى ان تبلغ مطالب كردفان ودارفور والنيل الأزرق مرحلة "تقرير المصير" مثلما حدث في الجنوب؟ هذا ما نخشاه بالطبع.. فنحن نطالب بإسقاط النظام لتقرير مصير كل أقاليم السودان، كما هو في "المانفيستو"، لكن لا أحد يستطيع التكهّن إلى أين يمكن أن يصل هذا الصراع، أو في ماذا يرغب المجتمع الدولي، بالنسبة لي فأنا أرى أنه لابد من المحافظة على وحدة ما تبقّى من السودان وأن أية تفكير آخر "غير مقبول". النظام في السودان يتهمكم بأنكم تنفذون "أجندة" الجنوب وليس أجندة السودان؟ لولا وجود الحركة الشعبية في جنوب كردفان لما احترمهم حزب المؤتمر الوطني ولما وضع لهم أي اعتبار، ولولا قتال الحركة الشعبية الشرس لما وجد أي معارض آخر أي اعتبار، ولأن هناك خصمًا عنيدًا يواجه الحكومة فهي تضطر في كل مرة للرجوع للمعارضة تحت ذريعة الوصول لحل القضايا الوطنية، أما قولهم إننا ننفذ أجندة جنوبية، فهو غير منطقي لأننا فعليًا نطالب بحقوق أبناء السودان كله، لقد "زوّرت" الحكومة الانتخابات في جنوب كردفان، ورفضت دمج أبناء النيل الأزرق وجنوب كردفان في الجيش الشعبي في الجيش السوداني، وأعلنت عن نيتها في نزع السلاح منهم خلال أسبوع، هذا كله ونحن نقاتل لقضايا خاصة بجنوب السودان، لقد ظللنا نقاتل زهاء السنة داخل الأراضي السودانية، لا علاقة لنا بمشاكل جنوب السودان مع الشمال، فالجنوب يملك آلياته لحسم خلافاته معهم. جمعة لحس الكوع نعود إلى ثورة السودان وجمعة لحس الكوع, ألا تعتقد ان تطورات الحركة السياسية متشابهة إلى حدٍ ما بحركاتٍ سياسية في مصر وتونس وعلى الأخص حركة كفاية ومهّدت للثورة؟ هذا صحيح إلى حدٍّ ما.. ومَن يتابع مسار الثورات العربية والثورات السودانية السابقة سيلاحظ أن التحرّكات الممهّدة تستغرق وقتًا قد يصل إلى عدة سنوات قبل أن تؤتي أكلها، ففي مصر وتونس بدأت التحرّكات الاحتجاجية التي تبلورت حول حركة كفاية في مصر وتحالف 18 أكتوبر في تونس عام 2005، وفي السودان نفسه تمّ التمهيد لثورة أكتوبر 1964 بانتفاضة مهجري السد العالي بدءًا من عام 1961، والاحتجاجات النقابية والطلابية خلال عام 1963 وعواقب تصاعد حرب الجنوب في العام نفسه، وفي عهد النميري، بدأت موجات الاحتجاجات مع انتفاضة شعبان في أغسطس وسبتمبر 1973 الطلابية والنقابية، ثم انتفاضات متوالية، كان آخرها في يناير عام 1982، وهو نفس العام الذي شهد إقالة معظم قيادات الجيش وحل الحكومة بعد أن أخذ الرئيس النميري يواجه عزلة حتى داخل نظامه. تأخر الانتفاضة ولماذا تأخرت الانتفاضة الشعبية طوال نصف القرن؟ هناك عوامل كثيرة ساهمت في تأخير التحرك الشعبي، من أبرزها تعقيدات السياسة السودانية، خاصة استمرار التوتر والنزاعات المسلحة في دارفور ومناطق أخرى، إضافة إلى استمرار الخلافات مع دولة الجنوبالجديدة، وكانت هناك توقعات ببدء حوار بين الحكومة والمعارضة يؤدي إلى توافق على دستور جديد وإعادة ترتيب اوضاع البلاد بعد انفصال الجنوب، وبنفس القدر فإن تعثر محاولات توحيد المعارضة، إضافة إلى نجاح الحكومة في استقطاب أحد أهم أحزابها، وهو الحزب الاتحادي الديمقراطي، إلى صفوفها وتحييد منافسه الأبرز، حزب الأمة، أضعف المعارضة كثيرًا، وفوق كل هذا فإن تفجّر الحرب مع الجنوب، واستمرار التمرّد المسلح من قبل حركاتٍ سياسية من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، صبّ في مصلحة النظام، فمن جهة، أخرج هذا النزاع المسلح قوى سياسية مهمة، مثل جناح الشمال في الحركة الشعبية، من المعادلة السياسية، ومن جهة أخرى زاد الاستقطاب من السند الشعبي للحكومة، ويرجع قرار الاتحاديين بالدخول في حلف مع النظام، وتردّد حزب الأمة في دعم المعارضة، إلى التخوّف من أن يؤدي الاستقطاب والتصعيد العسكري من قبل المعارضة المسلحة إلى ضرب الاستقرار وانفراط عقد البلاد. شعارات مقلقة ألا ترى أن الشعارات التي رفعها السودانيون كانت مقلقة بعض الشيء؟ معك حق في ذلك.. فأغلب الشعارات التي تبناها بعض الداعين إلى الانتفاضة هي شعارات تكرّس للانقسام، وهذا أمر مقلق، على سبيل المثال نجد أن أحد الشعارات التي حملتها الدعوة كانت تحمل عبارة تقول إن الانتفاضة هي انتفاضة "ضد الكيزان"، وهو تعبير تستخدمه قوى اليسار وبعض الخصوم الآخرين لوصف الإسلاميين السودانيين، والأكثر من ذلك ان الانتفاضة رفعت شعارًا باعتبارها موجّهة ضد قطاع من الشعب، بدلًا من أن تكون ضد نظام قمعي، هي وصفة لحربٍ أهلية لا لانتفاضةٍ ديمقراطية، وتتجه إلى النموذج السوري. الثوار في سوريا لم يطالبوا بالتقسيم ولم يرفعوا شعارًا يكرّس للانقسام؟ اعلم هذا.. في سوريا لم يقل الثوار هناك إن هذه ثورة ضد العلويين أو ضد البعثيين، وإنما النظام هو الذي يستخدم مثل هذه التوصيفات، بل حتى في أوروبا الشرقية لم يقل الثوار إن انتفاضاتهم كانت ضد الشيوعية والشيوعيين، ذلك أنه ليس من الحكمة في شيء استعداء قطاعات من الشعب، حتى لو كانت أقلية، وتصبح المسألة إشكالية أكثر كون قطاع مهم من الإسلاميين، على رأسهم المؤتمر الشعبي بقيادة الشيخ حسن الترابي الذي اقتبست تسمية الإسلاميين بالكيزان من عبارة منسوبة إليه يشارك في الاحتجاجات ويقودها. حتى الخطاب الموجّه كان يحمل بعض التهديدات للأطراف التابعة للنظام الحاكم في الخرطوم؟ وهذا مدعاة للخطر أيضًا.. فخطاب بعض دعاة الثورة الموجَّه لأنصار النظام، كما تابعته على مواقع الانترنت، يطفح بالتهديد والوعيد، من نوع "لقد جاء أوان الفتك بكم.. وانتظرونا لو كنتم رجالًا"، وما إلى ذلك من العبارات الفجّة، وإذا لم يكن من الحِكمة استعداء أي قطاع شعبي مهم، فإن من الحماقة أن يتوعّد دعاة ثورة مدنية يخوضها مدنيون عُزّل خصومهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، لأن ذلك هو تحديدًا ما يريده النظام لتبرير الإجراءات القاسية ضدهم، وما كان مزعجًا أكثر في بعض خطاب دعاة الثورة هو بعض التلميحات القبلية والعرقية، وهذا لا يتسق مع نبل الأهداف الثورية. وما هو دور الفصائل السياسية المسلحة التي دعاها البعض إلى التدخّل لحماية الثورة السودانية؟ عليك ان تعلم ان جنوح بعض الفصائل السياسية إلى العمل المسلح، مهما كانت مبرراته، يعوق الجهود الرامية إلى التغيير السياسي السلمي المنشود، ويعقّد الأمور أكثر حين يفيض الخطاب الثوري باتهامات للقوات النظامية بأنها عبارة عن ميليشيا تابعة للنظام، إلى درجة تصل إلى رفض أن تلعب أي دور في إسقاط النظام، ومثل هذا الاستعداء للقوات النظامية، مع المطالبة بدور لجهاتٍ مسلّحة هي ميليشيات بحق وحقيقة، وذات سندٍ سياسي محدود، يتضاءل عند بعضها إلى فخذ القبيلة الواحدة، هو وصفة للتفتيت والاستقطاب والاحتراب، لا للانتقال الديمقراطي. خطاب سياسي متزن وما المطلوب من الثوار السودانيين حتى تنجح ثورتهم؟ اعتقد ان من أهم ضرورات نجاح الثورة السودانية بأقل كلفة ممكنة يتطلب أول ما يتطلب تبني خطابٍ سياسي متزن وغير إقصائي، والتبشير بسياساتٍ تصالحيه تستوعب الجميع، ويتطلب ثانيًا الابتعاد عن استعداء القوات النظامية بدون تمييز، كما يستدعي من الفصائل المسلحة أن تنأى بنفسها عن الخوض في الأمر، إلا إذا قررت سلفًا وضع السلاح واختيار أسلوب العمل السلمي، بالإضافة إلي أهمية فتح قنوات التواصل مع جميع القوى السياسية، وإنشاء "تنسيقيات" للثورة تشارك فيها كل القوى الفاعلة، وتتفق على برامج مستقبلية أساسها ترسيخ الديمقراطية واعتمادها منهجًا.