تحت عنوان: «سورية للجميع في ظل دولة ديموقراطية مدنية»، عقد في فندق سميراميس في دمشق، اول مؤتمر للمعارضة ضم مئتي شخصية بينها عناصر من المستقلين والمثقفين. ومع ان المؤتمر التمهيدي كان بحاجة الى مشاركة اضافية، الا انه في نهاية الامر حدد الاسس لانطلاقة جدية وصفها الحقوقي انور البني، بأنها «ايجابية». والسبب في رأيه، انها رسخت حقوق المواطنين في عقد لقاءات شرعية وعلنية. كما انها في الوقت ذاته، ازالت من الاذهان مخاوف الاعتقال في حال جاهر المعارضون بآراء مناهضة للسلطة. واللافت ان المعارضة لم تجمد تظاهرات الاحتجاج اثناء افتتاح المؤتمر التمهيدي، وانما زادتها نشاطاً وحدة في حمص وحماه وادلب واللاذقية ودير الزور. وقيل في تفسير ذلك ان المعارضة منشقة حول موضوع محاورة السلطة... وان التظاهرات اشتدت بهدف ابلاغ الدولة ان المحاورين لا يمثلون المتظاهرين. او ان حال عدم الاستقرار التي يعيشها المجتمع السوري قد تعدت مطالب الاصلاحات السابقة التي رفعت قبل ثلاثة اشهر. كذلك شددت السلطة حملة القمع ضد المحتجين في مختلف المدن، بهدف ابلاغ المعارضة ان الحوار معها يوم العاشر من هذا الشهر، لن يكون على حساب الامن. وكانت «هيئة الحوار الوطني» التي شكلها الرئيس بشار الاسد، قد استأنفت اجتماعاتها برئاسة نائبه فاروق الشرع استعداداً لبحث مطالب المعارضة. وقام اعضاؤها التسعة بمراجعة مختلف الملفات المعدة للنقاش والتعديل. ومن اهم هذه الملفات كان ملف المادة الثامنة من الدستور والتي تنص على ان حزب البعث الحاكم، هو الحزب الرائد والقائد في المجتمع والدولة. وترى قيادات المعارضة ان هذه المادة المنقولة عن الحزب الشيوعي الذي حكم الاتحاد السوفياتي سابقاً، قد زالت بزوال النظام، وانه من حق الشعب السوري تعديل قانون الاحزاب بحيث يصبح افقياً قادراً على احتواء كل شرائح المجتمع. ومن المؤكد ان هذا الاقتراح سيتقدم سائر الاقتراحات المتعلقة بقوانين الانتخابات والادارة المحلية وتنظيم الاعلام وتثبيت حق التظاهر والغاء القوانين الاستثنائية. اضافة الى هذه المطالب، تشدد المنظمات الحقوقية في سورية على ضرورة الاقتداء بدول صديقة وجارة مثل تركيا ولبنان، بهدف تعزيز روح المبادرة والكفاءة والمنافسة. وهي مقتنعة بأن مناخ الحرية النسبية في لبنان كان وراء نجاح اكثر من الف شخصية سورية هاجرت الى بيروت من دمشق وحلب وتفوقت في مختلف المجالات المصرفية والتجارية والحقوقية. وستقدم هذه المنظمات امثلة حية على ايجاد فرص عمل طوال ربع قرن في لبنان لأكثر من مليون عامل سوري كانوا يعيلون خمسة ملايين من ذويهم، في وقت وصلت نسبة العاطلين من العمل في سورية الى مليوني شاب. ومع ان النظام السوري اكتشف اهمية الاعلام خلال هذه الازمة، الا انه حريص على اطلاق حرية الكلمة على دفعات بحيث لا يتأثر الوضع الامني. وربما اعانه على ترسيخ هذه القناعة اضطراره الى تجميل وجهه الخارجي بواسطة مراسلين ينتمون الى مؤسسات مختلفة بينها: جريدة «صنداي تايمز» البريطانية «ونيويورك تايمز» الاميركية وقناتي «سكاي نيوز» و «سي ان. ان». ويعترف المسؤولون عن الاعلام السوري، ان وقوف قناة «الجزيرة» ضد النظام اساء كثيراً الى سمعة الدولة، خصوصاً عند مشاهدي النشرة بالانكليزية. لهذا تجري محاولات للاستعانة بالصحف والقنوات اللبنانية لعلها تعوض عن النقص في هذا المجال. وقبل ان تبدأ جلسات العمل بين «هيئة الحوار الوطني» ورموز المعارضة في العاشر من هذا الشهر، اقتحمت الدبابات والمدرعات بلدة «الرامي» بغرض قطع الطريق المؤدية الى حلب. والسبب ان المعارضة دعت الى تظاهرة ضخمة تحت شعار «استعدوا لبرلمان حلب – 30 حزيران». ويبدو ان حلب ظلت مدينة هادئة مثلها مثل دمشق، وسط عواصف الاضطرابات المحيطة بهما. وقد اثارت هاتان المدينتان حفيظة القوى المعارضة، خصوصاً ان حيادهما اعطى النظام شهادة في الانضباط ورفض الانخراط في صفوف الانتفاضات الشعبية. وذكر احد مواقع «تويتر» ان متمردي حمص انتقموا قبل اسبوعين من عزلة اهل حلب، فصادروا حافلة كانت تقل ركاباً من حلب. وبدلاً من استمالتهم، فقد تعمدوا اهانتهم من طريق طلي وجوههم بمساحيق النساء وتكحيل عيونهم وصبغ شفاههم بأحمر «شانيل». واعتبرت تلك الحادثة من اكثر الحوادث استفزازاً لمشاعر رجال حلب الشهباء! الحراك المفاجئ الذي أظهرته مدينة حلب، يشير الى وجود «اجندة» خفية تحركها عناصر مرتبطة بالقطاعات الاقتصادية والتجارية. وقد تنبه الرئيس الاسد الى خطورة هذه الثغرة عندما طالب الشعب باهمية استعادة الثقة بالاقتصاد السوري حرصاً على منعه من الانهيار. ودعا في كلمته الى البحث عن نظام اقتصادي جديد يحقق العدالة بين الغني والفقير... بين الريف والمدينة. ويرى محللون ان الاقتصاد السوري الذي اهتز نتيجة الاضطرابات المتواصلة منذ اكثر من ثلاثة اشهر، سيتحول الى تهديد جدي للنظام البعثي القائم منذ اربعين سنة. كذلك يرى مصرفيون، ان مواصلة عمليات الاحتجاج ستدفع اهل دمشق وحلب الى اقفال مصانعهم وطرد عمالهم. ويرى خبراء ان الموقف السياسي للطبقة الوسطى والغنية، قد يتغير في حال تأثرت اعمالها بحدة الازمة الخانقة. ومعنى هذا ان ولاء هذه الطبقة للنظام مرتبط بقدرته على صون مصالحها وحماية مكاسبها. وتقول مصادر حزبية بعثية ان المعارضة الرافضة لكل التسويات، تراهن على انهيار الوضع الاقتصادي خلال ثمانية اشهر، الامر الذي يحفزها على مواصلة الاضطرابات. وهي تعتمد في حساباتها على صندوق النقد الدولي الذي توقع ألا تقفز حركة النمو في سورية هذه السنة عن 3 في المئة. في حين سجلت هذه الحركة السنة الماضية نمواً بنسبة خمسة ونصف في المئة. وهذا مؤشر بارز على ان الاقتصاد الموجه من قبل الدولة، يواجه انتكاسة خطرة اذا لم يسعفه العالم الخارجي. خصوصاً انه يعتمد على السياحة بنسبة كبيرة تصل الى 12 في المئة من اجمالي الناتج الداخلي. لهذا السبب وسواه حرص المصرف المركزي في سورية على عدم استهلاك احتياطه والاحتفاظ باحتياطي العملات الاجنبية. ومع ان وزير الخارجية وليد المعلم هدد في مؤتمره الصحافي، برغبة بلاده في التوجه شرقاً، الا ان هذا التهديد لم يمنع اوروبا من مواصلة ضغوطها الاقتصادية والسياسية على سورية. ويبدو ان الاثرياء من اهل الخليج بدأوا يترددون في تمويل مشاريع الدولة، وفي استثمار فوائضهم في قطاعات السياحة والصناعة. خصوصاً ان العقوبات الاميركية والاوروبية قد ازدادت بسبب عدم وجود رؤية حقيقية للمرحلة المقبلة. علماً أن الاسد قدم سلسلة حوافز بينها زيادة رواتب موظفي القطاع العام، وتسهيلات يستفيد منها الطلاب. لكن هذه الاصلاحات تبدو ضئيلة اذا قيست بما توفره مدينة حلب من مكاسب اقتصادية واستقرار سياسي. لذلك وصفت بانها «كعب اخيل» النظام السوري، لا فرق أكان بعثياً ام تعددياً. بين الصحافيين الذين زاروا دمشق في الفترة الاخيرة كان مايك جيكليو، الكاتب في مجلة «نيوزويك» الاميركية. وركز في تحقيقه على المواطن العادي الذي اثار اهتمامه اكثر من عمليات الكر والفر القائمة بين السلطة والمعارضة. وكتب يقول ان كل انسان في سورية له وجهان: وجه يطل به على الموثوقين من ابناء ملّته واصدقائه الخلص... ووجه عبوس آخر يظهر فيه على المخبرين والمندسين بين عشيرته ورفاقه. وفي ظل هذه الشخصية الممزقة، والمراقبة دائماً، يشعر المواطن انه يعيش في زنزانة، وان كل سجين يتجسس عليه عند السجّان. ومع تقادم الزمن، تولد عند هذا المواطن المسكين شعور دائم بالخوف والرعب من دولته. وكان من الطبيعي ان تستغل المعارضة هذا التحقيق لتطالب بحل ست دوائر استخبارات ينحصر نشاطها في مراقبة المواطنين وقياس مدى اخلاصهم للنظام. ويستدل من مضمون هذا التوصيف ان فاروق الشرع لن يكون معنياً باحتجاجات المعارضة فقط، بل هو معني ايضاً بحل العقد النفسية التي تنتجها امراض النظام. على الصعيد اللبناني، انشغلت وسائل الاعلام بقرار الاتهام الصادر عن المحكمة الدولية حول مسألة اغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري عام 2005. ومع ان مدعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا، لم يكشف تفاصيل قرار الاتهام، ولا اسماء المتهمين... الا ان الصحافة اللبنانية اشارت الى توجيه الاتهام الى اربعة اعضاء من «حزب الله». وقد نفى «حزب الله» هذه الاتهامات، مكرراً وصف المحكمة بانها اداة في يد اسرائيل والولايات المتحدة. وعليه طلب من الحكومة التي يشارك فيها، عدم التعاون مع المحكمة، وسحب القضاة اللبنانيين منها، ووقف المساهمة في تمويلها. ويرى المشرعون ان مسارعة «حزب الله» الى اعلان براءته، قد تكون المدخل الى استحضار ادلة ثبوتية تنقض هذا الاتهام الخطير. اي اتهام أهم حزب شيعي في المنطقة باغتيال رئيس وزراء لبنان السني. وهذا يذكر بموقف السيد حسن نصرالله الذي رفض اقتراح سعد الحريري بأن المتورطين سيصنفون في عداد الخارجين عن ارادة الحزب. وأكد نصر الله في جوابه انه المسؤول الاول والاخير عن تصرفات كل فرد من افراد الحزب. واليوم، يرى انصار سعد الحريري ان ابتعاده عن رئاسة الحكومة اعطاه هامشاً وسيعاً من الحرية لقيادة المعارضة، كونه القى كتلة النار بين يدي خلفه نجيب ميقاتي! * كاتب وصحافي لبناني