يتخذ معرض الفنانة الجزائرية زينب سديرة «شؤون جوية... هراء بحري» الذي افتتح في الشارقة، من الهجرة والوطن والترحال كلمات مفتاحية لمقاربة سديرة الإبداعية، ومعبراً للمتلقي للدخول إلى عوالمها المسكونة بتجليات تتمحور حول تلك الكلمات المفاهيمية، هي التي أُجبرت على الهجرة مع والديها من الجزائر إلى فرنسا في سن مبكرة هرباً من ويلات العشرية السوداء التي شهدتها بلدها في تسعينيات القرن الماضي، ولتواصل هجرتها إلى بريطانيا حيث تقيم اليوم. في كلا الهجرتين ارتبطت سديرة بالسفن التي كانت تحملها دائماً إلى المجهول وأصبحت العنصر الذي يتكرر في أعمالها ليذكرها بقصتها ومئات القصص التي لم تروَ، الأمر الذي سيكون ماثلاً بقوة في الفيديوات التي يحملها معرضها، من بين وسائط أخرى شكّلت حاملاً لأعمالها الفنية. ففي المعرض خمسة فيديوات تتناول عوائق التواصل اللغوي والمعرفي بين الأجيال التي نتجت عن الهجرة، ومفهوم العودة إلى الوطن، وتناقل الإرث الشفاهي. وحول استضافة المعرض قالت الشيخة حور بنت سلطان القاسمي رئيس مؤسسة الشارقة للفنون: «عاينت أعمال سديرة مفاهيم الأسرة والتقاليد، والتاريخ الشفاهي والهجرة، وتناقل المعرفة عبر الأجيال على مدى 17 عاماً، ورغم أن هذه القضايا أصبحت محور اهتمام عام أخيراً، إلا أن عمل الفنانة يؤكد على استمرارية وجود هذه القضايا على مر التاريخ». وأضافت «تستكشف سديرة من خلال أعمال الفيديو، والتصوير الفوتوغرافي، والأعمال التركيبية مفاهيم النوع، واللغة والهوية والوطنية والحداثة والهجرة، والتي غالباً ما تكون جزءاً من السير الذاتية، وقد صاغت سديرة عروضها بحرفية عالية ما عزز الحوار حول ثيمات أعمالها الفنية». كما ضم المعرض عملاً بتكليف من مؤسسة الشارقة للفنون بعنوان «شؤون جوية»، استكشفت سديرة من خلاله إمارة الشارقة عبر مطار «الخطوط الجوية الإمبريالية البريطانية» الذي أنشئ في منطقة المحطة في إمارة الشارقة عام 1932 ليكون أول مطار في منطقة الخليج العربي، وأعادت سديرة رسم المسار التاريخي للخطوط الجوية وإنتاج رحلة مصورة باستخدام وثائقيات رحلتها. وقالت سديرة: «قررت أن أنجز لهذا المعرض أعمالاً فنية جديدة تتمحور حول إمارة الشارقة. هذه أول تجربة لي من هذا النوع حيث أنني عادة ما أنجز الأعمال الفنية في شمال أفريقيا أو أوروبا. لقد تمكنت من الخوض في السياق الغني والتاريخي والثقافي والاجتماعي للإمارة وبالتالي تحدي أفكاري المسبقة». واستكمالاً لحكاياتها مع السفن والهجرة قدمت سديرة ضمن معرضها عملاً بعنوان «هياكل محطمة وعمارة المهجورين» الذي تضمن سلسلة من الصناديق التركيبية الضوئية تعرض صوراً التقطتها الفنانة لسفن غارقة على بعد بضعة كيلومترات من «نواذيبو» في موريتانيا، وتحوّلت تلك المدينة الموريتانية إلى نقطة تجمع لمعظم المهاجرين غير الشرعيين من جميع أنحاء الصحراء الكبرى في أفريقيا الساعين للوصول إلى جزر الكناري. ويسلط هذا العمل الضوء على الجانب المظلم من فكرة العبور، ويجد في القوارب الغارقة رمزاً للنظام الاقتصادي المعولم. كما تقدّم سديرة في عملها التركيبي المعنون «قصص غارقة» نماذج لقوارب «الداو» الخشبية التي غرقت في منطقة الخليج العربي، وكانت تستخدم لتسهيل التجارة داخل وخارج المنطقة، معاينة كيفية تشكّل الأمكنة من خلال تنقّل البشر والبضائع والثقافات عبر البحر. وفي تنويع على ثيمتي الهجرة والتنقل فإنها تقاربهما عبر «السلعة» بتحويل السكر إلى بديل عن «المهاجر» المرتحل بين مواقع مختلفة حول العالم ليصل إلى وجهته الأخيرة في ميناء مرسيليا. وثقت سديرة ما سبق من خلال أعمال متأسسة على الفوتوغراف حملت عناوين مثل «صومعة السكر»، و «طرق السكر»، و «أسطح السكر»، موثقة بالصور أكواماً من السكر في المستودعات بأشكال مشابهة للجبال والمناظر الطبيعية والطبقات الجيولوجية والطبوغرافية، ليصبح السكر رمزاً لكلٍّ من الجغرافيا السياسية والرحلات عبر البحار والمحيطات، كما لو أنه مجاز لفقدان الهوية الناتج عن الهجرة، حيث يفقد السكر خلال الرحلة التي يخوضها هويته المحلية ويتحول إلى سلعة عالمية تصدر إلى جميع أرجاء العالم.