عندما انتخب المحامي بشاره الخوري، رئيساً للجمهورية اللبنانية الثانية صيف 1943، زاره الصحافي شارل حلو لاستشارته في بعض الامور الإعلامية. ولما انصرف المهنئون الكثر، دنا شارل حلو من الرئيس، وسأله ما اذا كان في مقدوره مساعدته على تمتين لغته العربية الركيكة بطريقة تعينه على الكتابة مستقبلاً. وكان الصحافي حلو يكتب في حينه في صحيفة «رافاي» – أي اليقظة – بلغة فرنسية رفيعة المستوى تحاكي لغة زميله ومنافسه جورج نقاش. ولما سأله الرئيس خوري عن دوافع هذا التحول، اوضح ذلك بالقول: عقب انتهاء مرحلة الانتداب الفرنسي، سيتعزز تيار العروبة مع مجيء حكومة الاستقلال برئاسة رياض الصلح. وأنا شخصياً أرغب في تطوير لغتي العربية الركيكة. فبماذا تنصحني؟ وأجابه الرئيس الذي اشتهرت خطبه السياسية بالفصاحة والبلاغة، قائلاً: عليك بالانكباب على قراءة كتاب «نهج البلاغة» للإمام علي بن ابي طالب. فهو في رأيي، يمثل النهج اللغوي السليم لكل من يطلب البلاغة. وأضاف بشاره الخوري، شارحاً: انه كتاب قيّم ومفيد من حيث متانة اللغة وسهولة الحفظ، لكونه يتناول مشكلات الحياة، ويرشد الى الحكم الصالح والأخلاق الرضية. وبما ان الرئيس الدستوري كان مهتماً بالصحافي الذي أيّده أثناء حملة الرئاسة، فقد أهداه من مكتبته النسخة الوحيدة التي يحتفظ بها من كتاب «نهج البلاغة». وعندما انتُخب شارل حلو رئيساً للجمهورية عام 1964، اعترف اكثر من مرة، بأن هذا الكتاب شغله عن قراءة أي كتاب آخر، نظراً الى صلته الوثيقة بمعايير الخير والشر، وتفاعله مع عالم الماضي وعالم الحاضر... وعالم الغد. لهذه الاسباب وسواها، ارتأى الزميل الناشر رياض نجيب الريس، اعادة نشر منتخبات من هذا الكتاب، وإنما ضمن سياق مشوق سبق أن نشره في مجلة «المستقبل» تحت عنوان: «حديث صحافي مع الإمام علي بن ابي طالب (1987)». ولما أقبل الناس على قراءة نصوصه بشغف، أعاد رياض نشره عام 2000 في كراس صغير، نقلت صحيفة «النهار» جزءاً من نصوصه المختارة. وبعد مرور عشر سنوات، اعاد رياض نشر «الحديث المفترض»، وإنما تحت عنوان «كتاب جديد»، لأنه رأى فيه نموذجاً جديداً ودستوراً عالمياً يصلح لكل زمان ومكان. وهذا بعض ما تضمنه الكتيب من عبر ونصائح: اذا خدمت رئيساً فلا تلبس مثل ثوبه، ولا تركب مثل ركوبه، ولا تستخدم كخدمه، فعساك تسلم منه. الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة. اذا أقبلت الدنيا على احد، أعارته محاسن غيره، واذا أدبرت عنه، سلبته محاسن نفسه. الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك. فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصبر. من وضع نفسه مواضع التهمة، فلا يلومن من اساء به الظن. (قلت لرجل افرط في الثناء علي) انا دون ما تقول، وفوق ما في نفسك. اختر ان تكون مغلوباً وأنت منصف، ولا تختر ان تكون غالباً وأنت ظالم. اذا تغير السلطان تغير الزمان، وما اكثر العبر وأقل الاعتبار.