ليس حديثي عن الخطاب الإسلامي حديثاً عن النص الموحى به «القرآن والسنة» كمصدر تشريعي، ولكنه الحديث عن الخطاب الذي المتمثل في المنتج البشري أياً كانت تكوناته وتشكلاته أومستوياته «فكرياً كان أو ثقافياً أو سلوكياً». وما دام الحديث عن المنتجات البشرية فسيكون له أبعاده العقلية والنفسية، وسيكون له وعليه تأثراته السياسية والاجتماعية، وهي الأبعاد والتأثرات التي لم تفتأ تفعل فعلها في الخطاب الإسلامي من بعد عصر الرسالة إلى اليوم، وكان له معها صدامات وصراعات افتعلها أحياناً، أو وجد نفسه ضحية لها، وفي أحيان أخرى تصالح معها. ولن أتحدث هنا عن تأرخة الخطاب الإسلامي بقدر ما أريد الدخول إلى عصرية هذا الخطاب بين الإمكان والممانعة، في واقع مختلف ومختلف جدا، لنطرح أسئلتنا على خطابنا الإسلامي في راهنيته وفي قدره وقدرته اليوم مع أقوى تحديات الوجود مع قوة المعرفة؟! كما يجب القول أن المقصود ب»التحدي» الذي يواجهه الخطاب الإسلامي ليس حديثاً عن مؤامرة ضد الخطاب، ولكنه واقع تفرضه الحياة بتحولاتها وتغيراتها، فتجري الامتحان لهذا الخطاب ولغيره. كما هي عادة الحياة في اختباراتها، حين تعطي النتيجة ثم تطرح الأسئلة. ولا يمكننا القول إن الخطاب الإسلامي شكل واحد، فليس هو كذلك في واقع الحال، فهناك الخطاب القابع في تأريخ أصوله من دون أن يأخذ من تلك قدرتها على الصلاحية الزمانية والمكانية. وهناك الخطاب الشرعي المتزن بالوسطية والاعتدال. ولكل نوع ما يضاده ويختلف معه. وبين هذا وذاك تموجات كثيرة. كما ينشأ بين فينة وأخرى خطاب يقظ يحاول في مسار التصحيح، وهو متعدد ومختلف أيضاً. كما أن لكل نوع من الخطاب الإسلامي ظروفه التي تشكل من خلالها، جيدة كانت تلك الظروف أو غير جيدة، ولكنها مؤثرة في تكونه وتمرحله ومخرجاته. الأمر الذي يجعلنا نطرح أسئلة صريحة على الخطاب الإسلامي كنقد تصحيحي تكمن إجابتها في تغير ملموس ومشهود في كل أدوات الخطاب وآلياته. وأول هذه الأسئلة ومفتاحها: هل الخطاب الإسلامي يغذيه فكر إنتاجي، أم أن الذي يغذيه خطاب مثله مما أضعف نسله إلى حد لا يقبل التلاقح مع الأفكار بل يعاديها لأسباب ليس أكبرها أنها يجهلها «ومن جهل شيئا عاداه»! إن التراتيبة الصائبة في أن الفكر ينتج الخطاب وأن الخطاب ينتج السلوك هي الحالة التي كانت عليها بواكير الخطاب الإسلامي، وهي المنهج القرآني والنبوي. والسؤال الثاني: هل كان الخطاب الإسلامي قائما بذاته، أم كان يخضع لأجندة سياسية يفتقد الوعي بها؟ والسؤال الثالث: هل أدرك الخطاب الإسلامي أن مشروع المواجهة الذي صنعه، أو الذي يستند إليه دائماً. أن هذا المشروع هو الذي أهدر طاقته وبدد جهوده! والسؤال الرابع: هل آن للخطاب الإسلامي أن يتخلص من ثنائياته الخانقة والمتجددة مع كل فكرة أو حدث. من نحو «الدين والسياسة/ الدين والمواطنة/ الإسلام والقومية/ الإسلام والعلمانية/ الإسلام واللبرالية. وعلينا أن ندرك أن الإسلام دين: «إن الدين عند الله الإسلام»، ولا يمكن أن يكون دين الله ثنائية لأفكار البشر! أما أن نطلق الإسلام ونريد به أنفسنا! وننادي بمصلحة الأمة وإذا بها تتكشف عن مصلحة الأنا!.. إن هناك فرقاً كبيراً بين «أنا الإسلام» و»الإسلام أنا»، فما تعطيك الأولى من تحمل مسؤوليتك الواعية عن الشيء الذي تمثل فيك إيماناً وسلوكاً ودعوة، كما قال أبو ذر رضي الله عنه لما أسلم مع الرسول عليه الصلاة والسلام بعد أبي بكر وعلي: «أنا ربع الإسلام». وبين الشيء ذاته حين يختزل في الفرد أو المذهب أو الدولة؛ فلا الإسلام إلا أنا: «ما أريكم إلا ما أرى». والسؤال الخامس: هل تجاوز الخطاب الإسلامي إخراج منتجاته من دائرتي «المؤامرة والابتلاء» إلى دوائر الفعل والمشاركة؟ وقد جرب الإنتاج من ألغام المؤامرة والابتلاء لعقود من الزمن، فأين إنتاجه من إنتاج العقل المفتوح والنفس المطمئنة؟ [email protected]