باريس، لندن، نيويورك - «الحياة»، أ ف ب - في نداء يعكس «تشاؤماً» من امكانية اتفاق مجلس الامن على دعم قرار اوروبي يدين سورية بسبب الاستخدام المفرط للعنف ضد المدنيين، أعلنت الخارجية الفرنسية أمس ان اعضاء مجلس الامن ال 15 باتوا الان امام خيار «غض النظر» او «تحمل مسؤولياتهم حيال وضع بات لا يحتمل» نتيجة القمع في سورية. ويأتي ذلك فيما انتقد اعضاء في الكونغرس الاميركي سياسة الرئيس باراك اوباما حيال سورية، متهمين اوباما بعدم الحسم، مشيرين الى ان على البيت الابيض عدم التخلي عن الخيار العسكري في ما يتعلق بالملف السوري. وتقول الادارة الاميركية انها لا تستطيع ان تتحرك منفردة في هذا الملف، خصوصاً ان مجلس الامن يعاني انقساماً إزاء طريقة التعامل مع سورية. وفي مؤشر على صعوبة المداولات وعدم حسمها حتى الآن، أعلن وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه امس ان الدول التي اعدت مشروع القرار ضد دمشق لن تطرحه على التصويت قبل ان تضمن توافر غالبية كافية لمصلحتها. وقال جوبيه في الجمعية الوطنية: «لن نجازف بأن نطرح على التصويت مشروع قرار يدين النظام السوري الا اذا توصلنا الى غالبية كافية. لدينا اليوم على الارجح تسعة اصوات في مجلس الامن، يبقى علينا ان نقنع جنوب افريقيا والهند والبرازيل ونعمل على ذلك يوماً بعد يوم». وأضاف الوزير الفرنسي «اذا تحركت الامور من هذا الجانب، واذا تمكنا من تأمين احد عشر صوتاً فعلى كل طرف ان يتحمل مسؤوليته. سنطرح مشروع القرار هذا للتصويت وسنرى ما اذا كانت روسيا والصين ستستمران في (موقفهما لجهة استخدام) الفيتو». وكرر انه بالنسبة الى فرنسا فان القمع في سورية «يثير الاستياء ويستدعي الادانة»، مضيفاً «الامور تتدهور من يوم الى آخر». وقبل عشرة ايام، اعتبر جوبيه ان مشروع القرار الذي لا يزال قيد البحث في الاممالمتحدة يمكن ان يحصل على احد عشر صوتاً من اصل خمسة عشر في مجلس الامن. وبعيد ذلك، اوضح ان طرح المشروع للتصويت هو «مسألة ايام وربما ساعات». غير ان موسكو وبكين قالتا اول من امس أنهما ستستخدمان حق النقض في حال طرح المشروع على التصويت. من ناحيته قال الناطق باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو خلال مؤتمر صحافي «نواجه وضعاً يرغم كل طرف على الاختيار الآن في مجلس الامن. اما ان ننظر في اتجاه آخر ونغض الطرف ونرفض ان نرى ما يحصل او نتحمل مسؤولياتنا». وأضاف: «من الواضح ان ... الدعوة الى تحمل المسؤولية لها معنى خاص بالنسبة الى بعض الاعضاء الدائمين في مجلس الامن» في اشارة الى روسيا والصين. وأوضح الناطق في اعلان خطي «نأسف لغياب توافق في المجلس»، مندداً ب «مواصلة قوات الامن السورية اطلاق النار على المدنيين العزل». وتابع ان «الاممالمتحدة تتحدث الآن عن اكثر من 1200 قتيل وعن حالات تعذيب وانتهاكات لحقوق الانسان. ويفر آلاف اللاجئين حالياً من سورية». وقال فاليرو ان «هذه الحصيلة كارثية» و «ترغب فرنسا في ان يتخذ مجلس الامن موقفاً من الوضع القائم في سورية والذي لا يحتمل ومن سياسة الهروب الى الامام التي يعتمدها نظام دمشق». وفي واشنطن واصل أعضاء في الكونغرس الاميركي انتقاداتهم الى الرئيس اوباما بسبب اخفاقه في تعزيز الضغوط على النظام السوري على غرار ما فعل مع ليبيا. ودعا السيناتور ليندساي غرهام الرئيس الاميركي ب «وضع الخيار العسكري» على الطاولة في ما يتعلق بالازمة السورية. ويرفض البيت الابيض الانتقادات الموجهة له، وقال الناطق باسمه في تصريحات اول من امس ان فرق المعالجة بين الملفين السوري والليبي ترجع الى اختلاف تعامل المجتمع الدولي مع الملفين، مشيراً الى انه في الحالة الليبية كان هناك قرار دولي من مجلس الامن ودعم اقليمي للتحرك وهذا غير موجود في ما يتعلق بدمشق. وحتى الآن تدين مختلف الدول بشدة كل على حدة القمع الدامي في سورية، وقررت فرض عقوبات على مستوى اميركا والاتحاد الاوروبي، لكن هذه الدول نفسها فشلت على الصعيد الدولي على التفاهم مما يفقدها من هيبتها وسلطتها. وحتى الآن لا يبحث المجتمع الدولي تدخلاً على النمط الليبي في سورية، بل ضغوطاً سياسية واقتصادية تدفع النظام السوري لتغيير سياساته. وقال مسؤول فرنسي رفيع المستوى ل «فرانس برس» إن «مشروع القرار الذي يجري التباحث في شأنه في الاممالمتحدة هو نص اول، وقرار اعلان لا يتيح اللجوء الى القوة». الا ان الانقسام عميق للغاية ووراءه العديد من الافكار المسبقة بحيث ان روسيا والصين ذهبتا الى حد مقاطعة اجتماع خبراء في الاممالمتحدة للتباحث في مشروع قرار يدين دمشق. وقال ديبلوماسي غربي إن روسيا والصين «كانتا على علم بالمحادثات... ولكنهما اختارتا عدم المجيء». وأدخلت الدول الغربية تعديلات على مسودة القرار على امل الحصول على تأييد مزيد من الدول لهذا المشروع. إلا ان تعديل النص لم يؤد الى تغيير في مواقف الدول الرافضة. وتدفع اوروبا، فرنسا وبريطانيا والمانيا والبرتغال خصوصاً، نحو اعتماد قرار يظهر ان مجلس الامن لا يمكنه ان يقف صامتاً ازاء اللجوء المفرط للقوة.