حضّت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي مواطنيها امس، على مواجهة «وقائع صعبة» في شأن انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (بريكزيت) الذي دعته الى إبداء مرونة في المفاوضات. وابدت ماي استعداداً لقبول تسوية بين الجانبين، قد تتضمّن شراكة جمركية. وأشاد ابرز المفاوضين الأوروبيين ميشال بارنييه ب»وضوح» ميّز خطاباً ألقته ماي أمس في شأن تطلعات المملكة المتحدة لعلاقاتها مع الاتحاد بعد «بريكزيت». وكتب على موقع «تويتر»: «أرحّب بخطاب تيريزا ماي. الوضوح في شأن خروج المملكة المتحدة من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي، إضافة الى الإقرار بضرورة التسوية، سيقدّمان الخطوط العريضة للمجلس الأوروبي في شأن اتفاق للتجارة الحرة مستقبلاً». ويشير بارنييه إلى اقتراحات سيقدّمها الاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل، من أجل التفاوض مع لندن على اتفاق للتجارة الحرة. لكن السياسي الألماني مانفريد فيبر، زعيم «حزب الشعب» الأوروبي، الأبرز في البرلمان الأوروبي، وحليف المستشارة أنغيلا مركل، اعتبر أن خطاب ماي «جعله اكثر قلقاً» في شأن مفاوضات «بريكزيت». وأضاف: «لا أرى كيف يمكن أن نصل إلى اتفاق، إذا كانت حكومة المملكة المتحدة تواصل دفن رأسها في الرمال بهذا الشكل». وأكدت ماي ان المملكة المتحدة «لن تعيد التفكير في شأن الخروج من الاتحاد الأوروبي»، وزادت: «الشعب البريطاني صوّت لمصلحة هذا الخروج، وأعتقد بأن على الساسة البريطانيين تنفيذ القرار الذي طلبنا من الشعب أن يتخذه». وكرّرت معارضتها وجود حدود فعلية، بعدما طرح الاتحاد مسوّدة نصّ تقترح بقاء إرلندا الشمالية في الاتحاد الجمركي مع التكتل، فيما تبقى باقي بريطانيا خارجه، إن فشلت في ابتكار حلّ افضل لتجنّب فرض قيود جمركية جديدة بين إرلندا الشمالية وجمهورية إرلندا. لكن رئيسة الوزراء لفتت الى إمكان التوصل الى ترتيب يمنح بريطانيا حرية التوصل الى اتفاقات تجارة منفردة. وأكدت أن بلادها ستترك السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي، بعد «الطلاق» في آذار (مارس) 2019، ودعت إلى التوصل الى «أوسع اتفاق ممكن، يشمل عدداً أكبر من القطاعات ويلحظ مقداراً من التعاون أكبر من أي اتفاق للتبادل الحرّ مع العالم الآن». واستدركت: «أريد أن أكون صريحة مع الناس، لأن الحقيقة هي أننا جميعاً نحتاج إلى مواجهة وقائع صعبة. وبطرق معيّنة، دخولنا إلى أسواقنا المتبادلة سيكون مختلفاً». ودعت الى اتفاق تجارة حرة يتجاوز ذاك المُبرم بين كندا والاتحاد الأوروبي، لكنه لا يصل الى مستوى ذاك الموقّع مع النروج، العضو في المنطقة الاقتصادية الأوروبية. وقالت إن بلادها قد تختار التقيّد بقواعد الاتحاد في ما يتعلّق بالدعم الحكومي والمنافسة، فور «الطلاق». وأضافت ان التوصل الى اتفاق تجارة سيتطلّب «التزامات تبادلية ملزمة» لضمان المنافسة النزيهة، وآلية تحكيم مستقلة، في رفض صريح للمحكمة الأوروبية. وتابعت: «في كل هذه المجالات، يمكن التفكير الجريء والمبدع أن يؤدي الى اتفاقات تخدم مصالح كل شعوبنا في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي». ورفضت ماي إقامة اتحاد جمركي جديد يتحكّم بحركة السلع، مشددة على ضرورة حماية سلاسل الإمدادات المعقدة التي نشأت خلال عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. وقالت ان بلادها «ستقدم التزاماً قوياً بأن تبقى معاييرها التنظيمية مرتفعة، على مستوى معايير الاتحاد». ورأت في مغادرة الاتحاد «بداية جديدة» للمملكة المتحدة وعلاقاتها معه، معربة عن ثقتها بالتوصل الى اتفاق جيّد، لأن ذلك يخدم مصالح الجانبين. وزادت: «كلانا يحتاج الى الإقرار بأنها مفاوضات، وبأنه لا يمكن أياً منا أن يحصل على ما يريد تماماً. نغادر السوق الموحدة، وستكون الأمور مختلفة. كما ستتغيّر طريقة وصولنا الى أسواق بعضنا». الى ذلك، اعتبر وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون ان ماي قدّمت «رؤية واضحة ومقنعة»، وكتب على «تويتر»: «سنبقى قريبين جداً من أصدقائنا وشركائنا في الاتحاد الأوروبي، لكننا سنصبح قادرين على الابتكار، وعلى وضع أجندتنا وقوانيننا وأن نبرم اتفاقات تجارة حرة طموحة حول العالم». لكن تشوكا أومونا، وهو نائب مناصر للاتحاد الأوروبي من حزب العمال، رأى ان رئيسة الحكومة «وضعت رأسها في الرمال».