أثار نشر الاتحاد الأوروبي أمس، مسودة نصّ يفيد بأن إرلندا الشمالية الخاضعة لحكم بريطانيا، قد تبقى ضمن اتحاد جمركي مع التكتل بعد «الطلاق» مع المملكة المتحدة (بريكزيت)، في حال عدم التوصل إلى حلّ أفضل، رداً غاضباً من بلفاست، ومن رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي التي رأت في الأمر «تقويضاً للسيادة الدستورية» لبلادها، محذرة بروكسيل من السعي إلى «تقسيم» المملكة المتحدة. وقالت ماي: «المسودة القانونية للاتفاق، في حال تطبيقها، ستقوّض السوق المشتركة للمملكة المتحدة وتهدّد سيادتها الدستورية، من خلال إقامة حدود جمركية وتنظيمية عند البحر الإرلندي، وليس هناك رئيس وزراء بريطاني يمكنه الموافقة على ذلك أبداً». وأضافت في كلمة أمام مجلس العموم (البرلمان) البريطاني أنها «ستوضح تماماً» لرئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر وآخرين أنها لن توافق على أن تكون لإرلندا الشمالية قوانين جمركية مختلفة عن بقية المملكة المتحدة. وسُرِبّت مقتطفات من خطاب ستلقيه ماي غداً، تُحدّد فيه نظرتها إلى العلاقات مع الاتحاد بعد «بريكزيت»، سيرِد فيه أن «مطالب بروكسيل ليست مقبولة وسنرفضها، ونحن ملتزمون تطبيق اتفاق كانون الأول (ديسمبر)، وعلى الاتحاد الأوروبي أن يدرك أننا لن نوقّع أي شيء يهدّد وحدة المملكة المتحدة أو سوقها الموحدة، ولن نقبل أيضاً أن نكون تحت سلطة المحكمة الأوروبية». ويتضمّن الاتفاق المُبرم في كانون الأول ثلاثة عناوين رئيسة: مصير المواطنين الأوروبيين المقيمين في بريطانيا، وفاتورة «طلاقها» من الاتحاد ومستقبل الحدود الإرلندية. كما ينظّم المرحلة الانتقالية لما بعد «بريكزيت»، لكنه تجنّب المسألة الإرلندية. وقال مصدر في رئاسة الحكومة: «هناك ملفات كثيرة موضع اتفاق بيننا وبين الاتحاد، ولكن عندما تصل المسألة إلى هذا الحد (تهديد وحدة المملكة)، على المرء أن يتوقّع رداً قاسياً على ما تطرحه بروكسيل». أما أرلين فوستر، رئيسة «الحزب الديموقراطي الوحدوي» في إرلندا الشمالية، فاعتبرت أن مسوّدة الاتحاد الأوروبي «ليست مقبولة دستورياً، وستكون كارثة اقتصادياً» على بلادها. وأعرب النائب عن الحزب أيان بايزلي عن «صدمته» من سعي بروكسيل إلى «ضمّ جزء من المملكة المتحدة». وكان وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون كشف رسالة مسرّبة تشكّك في إمكان تجنّب إقامة حدود على جزيرة إرلندا، معتبراً أن معارضي «بريكزيت» يستغلون «محاولة إبقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الجمركي، فعلياً في السوق الموحدة، لئلا نتمكّن من مغادرة الاتحاد الأوروبي». أتت التصريحات البريطانية المنددة بعدما عرض كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي في ملف «بريكزيت» ميشال بارنييه مسوّدة نصّ من 120 صفحة، مشدداً على أن «الملف الإرلندي لا يمكن أن يبقى عالقاً». وتفيد المسوّدة بوجوب إقامة «منطقة تنظيمية مشتركة تضم الاتحاد والمملكة المتحدة في ما يخص إرلندا الشمالية»، تتضمّن «منطقة من دون حدود داخلية تضمن حرية حركة البضائع وحماية التعاون بين شمال الجزيرة وجنوبها واتفاق السلام الإرلندي عام 1998». واستدرك أن ذلك ليس سوى «خطة بديلة» في حال عدم الاتفاق على أي من الخيارين المفضلين لدى بريطانيا، أي حدود مزوّدة أنظمة تكنولوجيا متطورة ومن دون نقاط تفتيش، أو حلّ متعلّق باتفاق تجارة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. وأضاف: «هذا الاقتراح لا يشكّك في النظام الدستوري أو المؤسساتي في المملكة المتحدة. لا أسعى إلى استفزاز، ولا أحاول إثارة صدمة. على بريطانيا الحفاظ على الهدوء والبراغماتية». ولفت إلى إمكان العثور على «حلول تقنية» للتغلّب على ملفات جمركية، وتابع: «نحاول في شكل عملي وبراغماتي استخدام الأدوات المتاحة لدينا لإيجاد حلول». ورفض تكهنات بأن مسوّدة النص جزء من سياسة حافة الهاوية ينتهجها الاتحاد، وزاد: «لا أخدع (أحداً) أبداً». وكانت إرلندا والاتحاد الأوروبي طالبا بأن يتجنّب أي اتفاق ل «بريكزيت» إقامة حدود فعلية تشمل حواجز جمركية، حفاظاً على اتفاق السلام في إرلندا الشمالية. ونبّه بارنييه إلى ضرورة تسريع محادثات خروج بريطانيا في آذار (مارس) 2019، قائلاً: «إذا أردنا لتلك المفاوضات أن تنجح، علينا تسريع الوتيرة».