منذ سنوات والأصوات ترتفع لإصلاح هيئة الأممالمتحدة، وتطالب بمراجعة آليات تسييرها للبيت العالمي، ولكنّ اليد الخفيّة، تعيد ترتيب الأسئلة في اتجاه إبقاء الأمر بيد الخمسة الكبار، ولو صار في العالم كبار آخرون.. وترتفع هذه الأيام أصوات شبيهة لإصلاح منظمة دولية يطلق عليها الاتحاد الدولي لكرة القدم، يديرها سويسري يسمى جوزيف بلاتر، إنما ليس كساعة بعقارب سويسرية، ولكن بعقارب سامة، نجحت في أن تجعل من الفيفا بؤرة للفساد وشراء الذمم. المسألة لا تتعلّق ببلاتر، فهو ليس أكثر من عنصر في مجموعة، ولكن الخلل كلّه يكمن في تحوّل الفيفا إلى شركة مساهمة، تبيع وتشتري باسم اللعبة الأكثر شعبية في العالم، تتحرك مصالح وأموال وأسهم في مناطق من العالم، وليفعل ميسي ما يشاء، وليفكّر مورينيو كيفما شاء، وليترشح وينسحب بن همّام متى شاء.. فليس هناك من يغيّر شيئاً من فلسفة الجلد المنفوخ. فضائح اللعب تحت الطاولة، انكشفت أوراقها هذه المرة، وبدا الرجل القويّ بالفيفا عملاقاً من ورق مغشوش، إذ فقد أعصابه، ولم يعد قادراً على مواجهة أسئلة فضائح الفساد التي ألمّت به، والانهيار المعنوي لحكومته الكروية، وكان المشهد مؤلماً للهيئة الأقوى في العالم، باعتبار أنها تضم أزيد من مائتي عضو.. فكأن الناس أمام شارع عربي منفلت، أو كأن الناس تجمعوا في ساحة عمومية بزيوريخ يحملون لافتات وصور لبلاتر، وشعارات تصبّ كلها في كلمة واحدة «ارحلْ»، فيبحث الرجل عن حلول لأزمته، ويتدخّل عقلاء وحكماء لتطويق الوضع، ويسحب تهديداته بإحالة بعض منافسيه إلى لجنة القيم لمحاكمتهم بتهم الفساد واللعب بالأصوات، ويتراجع الرجل الثاني في حكم الفيفا جيروم فالكه عن قوله: «إذا اشترت قطر المونديال فلا يمكنها شراء الفيفا»، ويتراجع رجل الكونكاكاف جاك وارنر عن فكرة إحداث تسونامي في الفيفا، بالكشف عن ممارسات غير أخلاقية وتتعارض مع قوانين الفيفا، ويتبيّن للناس أن اليد الخفية تدخلت ليلة انتخاب رئيس الفيفا، وأعادت الأمور إلى ما قبل أسبوعين، وكأن شيئاً لم يقع، فتسقط لافتة ارحل، وتعوض بكلمة «ابقَ ولا ترحل.. وسنبقى معك ولن نرحل»، وتتحول كلمة فساد إلى ورقة ضغط على العباد. إن انتخاب بلاتر لفترة رابعة، لن يبقيه قوياً كما كان، وسيكون في كرسي هش، غير قادر على اتخاذ قرارات انفرادية لا يعترض عليها أحد.. وستكون الفرصة مواتية أمام أعضاء الضفة الجنوبية (أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية) للعمل من أجل الوصول إلى هذا الكرسي الذي ظل يقرر مصيره الأوروبيون دائماً، فالرئيس القادم إن لم يكن محمد بن همام، فسيكون من أفريقيا، وتلك حتمية انتفاضة الجنوب على هيمنة الشمال، والعولمة تقضي بأن يكون التداول عملة كل الأسواق، بما فيها سوق الكرة. إن فترة بلاتر الرابعة، هي مرحلة انتقالية، ليبني أعضاء الضفة الجنوبية تكتلاً كبيراً وفاعلاً، أليسوا هم من يصنع فرجة الكرة في العالم؟ أليسوا مبرراً لوجود الفيفا؟ أليسو الأكثر عدداً؟ أليسوا قادرين على قلب الطاولة إن أرادوا.. فإذا تأجل رحيل بلاتر هذه المرة، فإن المرة القادمة ستكون المطالبة برحيل نظام الفيفا كاملاً، لأنه غير عادل، وغير ديموقراطي، ومكرّس للفساد. [email protected]