يُجمع البرازيليون أنّ العامل البسيط، الهادئ، البشوش، لولا داسيلفا، الذي أصبح رئيساً للجمهورية، هو من أوجد لبلد السامبا موقعاً في خريطة العالم الرياضية، بحصوله على تنظيم أكبر محفلين رياضيين، مونديال 2014، وأولمبياد 2016، وهو ما لم تكن تحلم به أرض الجلد المنفوخ وكرنفال ري ودي جانيرو. بكى «لولا» يومها، وشاهد العالم كيف استطاع هذا الرجل الذي لو أراد لقاد البرازيل عشرين عاماً أخرى، لكنه خرج كبيراً بعد أن أدخل البرازيل في نادي الكبار، ومنحه شرف تنظيم المونديال والأولمبياد، تاركاً للسيدة روسيف مسؤولية إدارة هذا الإرث الجميل. ولكن ما أن أغلق «لولا» الباب وراءه لينعم براحة المتقاعدين في بيته، حتى انبعثت من بعض الزوايا روائح الفساد، ومنها بيت وزير الرياضة الشيوعي أورلاندو سيلفا الذي أثبتت التحقيقات أنّه نجح في إثراء إحدى المنظمات التابعة لحزبه بما يفوق العشرين مليون دولار. وهو ما نفاه الوزير الشاب الذي قال وهو يغادر الوزارة «أخرج نظيف اليد بعد أن حققت للبرازيل التزاماتها تجاه مونديال 2014 وأولمبياد 2016. وستكتشفون أنني بريء اليوم أو غداً». هذا السلوك لم يعجب البرازيليين، لأنهم لا يريدون أن يتحدّث عنهم العالم بلغة الريبة والشك، وأن يحدث لهم ما حدث لقطر التي أسالوا حبراً بكلّ الألوان متهمين إياها بأنها دفعت تحت الطاولة لتفوز بمونديال 2022، ودليلهم في ذلك ما حدث لمحمد بن همام الذي دخل في حانة النسيان، وهو الرجل الذي كان على مسافة شبر من كرسي بلاتر.. ولم يقبل البرازيليون أن تلصق بهم تهمة الفساد، مثلما حدث في مونديال جنوب أفريقيا، حيث بلغ الأمر حدّ التصفية الجسدية لبعض أعضاء اللجنة المنظمة، فقد تعرّض جيمي موهالا لطلقات نارية بعد أن كشف عن ألاعيب مالية وقعت في بناء ملاعب المونديال.. ولأنّ موهالا ذهب بعيداً في كشف المستور واتهام جهات ضالعة في فساد منظّم، فإنّ القتل طال ابنه الذي يكون هدّد هو الآخر بالمضيّ على خطى أبيه، فكان كاتم الصوت حائلاً دون ذلك. واستمرّ الحديث عن فضائح الفساد إلى أن أسدل المونديال أبوابه معلناً غلق كلّ حديث عن التلاعبات المالية، لتنتقل إلى بيت بلاتر الذي عاش ربيعاً أسوداً مع قضايا بيع الأصوات في غرف سريّة كشف بعضها صحافيون إنكليز، وتبيّن أن بعضها الآخر جاء بوسائل يصعب الوصول إليها.. لكن خيوطها انكشفت بعد أن شعر بعضهم أنّه طعن من الخلف. ورغم أنّ حديث الفساد في البرازيل، بشأن المونديال والأولمبياد، ذاب في تناول قطاعات أخرى بذات التهمة، فإنّ الناس كانوا مشغولين بصفقة سريّة بين الغريمين برشلونة وريال مدريد بشأن الأعجوبة نيمار.. وظلوا يستمتعون بالملاسنات الدائرة بين الملك بيليه الذي وصف ميسي بالصغير، ومارادونا الذي نصح ميسي بالحفاظ على عرشه أمام كريستيانو رونالدو، وروماريو يدخل على الخط ليجعل من نفسه رقماً.. وميسي يبحث عن أقصر طريق للشباك بعد أن خذله الحارس فاراس منذ أيّام.. لهذا فإنّ الفساد البرازيلي، مهما بلغت مستوياته، ينتهي في ماراكانا عندما يلتقي سانتوس وفاسكو دي جاما.. لأنّ الناس يعرفون تماماً أنّ لولاّ نظيف، وأن روسيف نظيفة، وأنّ الهدف أن تبقى شباك منتخب السامبا نظيفة حتى المونديال.. والبقية إلى الجحيم، فهناك قضاء يقول كلمته، وشارع يعرف رجاله. [email protected]