تبدو التلفزة الفرنسية في تعاملها مع الأحداث في سورية على توافق مع المواقف الرسمية من حيث الحذر. ففي البداية كانت الأخبار مختصرة والتحليلات نادرة تصحو فجأة مع تطور «مهم» على أرض الواقع، ثم تنصرف لشؤون أخرى. ولكن منذ اقتحام الدبابات لدرعا للقضاء على الاحتجاجات، بدا وكأن ثمة خطاً تجاوزه الجميع. لا يمكن القول بعد أن انعطافة حدثت، بل ربما التفاتة، فإطلاق «الرصاص الحي» على المتظاهرين و «الحصار» و «الاقتحام» كانت عوامل دفعت بالمحطات التلفزيونية الفرنسية إلى العودة من جديد إلى الوضع السوري. فهذا الحدث الذي كان يغيب عن النشرات اليومية لأكثر المحطات متابعة من الفرنسيين (محطات عامة غير متخصصة)، وهي «تي أف1» (الخاصة) و «فرانس 2» (ملكية الدولة)، ليتطرق إليه بكلمات سريعة أيام الجمعة، عاد واحتل الموقع الأول في يوم بعينه، بحيث لا يكتفي بنقل المعلومة بل بتحليلها أيضاً، بالإشارة إلى موقف المتظاهرين الذي طرأ عليه تغيير. فبعد المناداة ب «الحرية» في بداية التظاهرات بات الشعار الآن «إسقاط النظام» على لسان «شباب لا انتماء سياسياً لهم بل هم من الطبقات الشعبية التي لا تتمتع بالخبرة على هذا الصعيد». وبالمقارنة بين ليبيا وسورية «المهمة استراتيجياً في الشرق الأوسط» من حيث العلاقة مع الجيران وجهل ما يمكن أن تتمخض عنه الاحتجاجات السورية في تبرير للمواقف «الخجولة» إلى الآن أمام ما يحدث في سورية. إذ ثمة خشية، كما قالوا، من «زعزعة» في المنطقة ولا سيما بالنسبة لإسرائيل ولكن أيضاً للبنان. ولم تختلف المواقف بين المحطتين في شكل جوهري وإنما فقط في نوعية المعلومات المعطاة والوقت المخصص لها مع الإشارة إلى «طرد الصحافيين» من مواقع الأحداث. واستمر الاهتمام في اليوم التالي بسبب تصريحات ساركوزي في إيطاليا عن الوضع في سورية الذي لم يعد «مقبولاً». أما «المحطة الإخبارية الأولى في فرنسا»، كما تُصنف هنا، وهي «ب أف أم»، والمحطة الأخرى التابعة ل «كنال بلوس أي تي»، فلم تختلف متابعتهما منذ البداية كثيراً عن تلك غير المتخصصة، عدا بالشريط الإخباري أسفل الشاشة. لكنّ ما يثير الانتباه هو هذا التفاوت في التعاطي مع الحدث السوري بين المحطات الفرنسية المحلية (والمقصود هنا التي يتابعها غالبية الفرنسيين، والمشار إليها أعلاه) والمحطة الفرنسية «فرانس 24» التي يتابعها عموماً الفرنسيون المغتربون والبلدان الناطقة بالفرنسية (متاحة في أكثر من 120 بلداً)، إذ أن تلك هي الأكثر اهتماماً وصراحة في نقل الحدث وتحليله والأكثر استقبالاً لضيوف محللين ومتابعين. ومن المثير أن تكون المحطة التي لا يتابعها فرنسيو الداخل هي الأكثر كشفاً للحقائق والأكثر متابعة لما يجري في سورية.