في وقت لا تزال مظاهرات تونس تشكل عناوين ثابتة ورئيسة في معظم نشرات الأخبار الفرنسية، جاءت أخبار مصر لتزاحمها وتحتل معها العناوين الأولى. وفيما سعت معظم المحطات الفرنسية إلى التوسع في نقل الأحداث التونسية والمصرية، وفي الحوار مع المراسلين والمحللين للتعليق عليها وتحليلها، فإنها بدت مختصرة وسريعة في تناولها لما يجري في لبنان. فمظاهرات مصر حلّت في الموقع الأول للنشرة الرئيسية المسائية للمحطة العامة «فرانس 2» الثلثاء الماضي، ولم تكتف المحطة بنشر تقرير عن غضب الشارع المصري، بل حاورت مراسلها الخاص في العاصمة المصرية لشرح ما يحدث. ولم يخل التقرير من «طرافة» (مقصودة؟)، ففي الوقت الذي كانت فيه مصرية متحمسة تقول بالفرنسية «عليه أن يذهب» في إشارة إلى الرئيس المصري كانت سيارات قوى الأمن تصل بكثافة إلى المكان، وهنا ألقت المتظاهرة نظرة سريعة وقلقة على الآليات وقالت «آه علي الذهاب الآن». أما «BFM»، المحطة الإخبارية الفرنسية، فعنونت على الخبر «الشعب يريد الحرية»، معلِّقة بأن هذا النداء لم يأت من تونس هذه المرة بل من مصر. وربطت معظم المحطات بين ما يجري في تونس وما جرى وقد يجري في بلدان أخرى في العالم العربي. أما لبنان، فقد جاءت أخباره في عبارات مختصرة على TF1: «خوف من عودة السيطرة السورية»، وعلى «فرانس 2»: «فرض» حزب الله لمرشحه «الملياردير» لرئاسة الحكومة. «الملياردير» صفة لازمت أيضا ميقاتي على المحطة الاخبارية «BFM»، مع فارق أن تلك توسعت أكثر بالطبع في الخبر، إذ قدمت تذكيراً بالأحداث، رابطة كذلك بين الرئيس الجديد و«حزب الله». كما أنها نقلت صوراً من مظاهرة طرابلس وسمعنا عبارة وجهتها إحدى المتظاهرات إلى رئيس الحكومة الجديد: «ربحت الوزارة وخسرت الشعب». وترجمت المحطة بعض عبارات من خطاب نصر الله حول نفي «التحريض المذهبي»، وأكملت التقرير بتصريح وزيرة الخارجية الأميركية حول تحفظ بلادها على وزارة مؤيدة ل «حزب الله». بعد هذه المتابعة وسماع تلك العبارات المتفرقة، يفرض تساؤل نفسه حول إمكانية فهم الحدث اللبناني على حقيقته لمُشاهد فرنسي، فتعقيدات الوضع اللبناني تتطلب بالتأكيد اكثر من نقل سريع، ولكن لعل الأزمات اللبنانية المتلاحقة منذ زمن طويل جعلت التلفزيون يقلِّص أخباره حولها، ف «الجديد» يفرض نفسه دوماً، وما جرى في تونس ومصر جديد، ومؤشر الى تبدلات مهمة في الشارع العربي، أما ما يجري في لبنان، ورغم أهميته، فقد انتفت عنه الجدة بحسب المفاهيم الإعلامية. من هنا تكمن خطورة التغطيات التلفزيونية، فإن كان من غير العسير شرح أسباب الثورات بصور معبرة وتعليقات مكثفة «الفقر، الفساد، غياب الديموقراطية الحقيقية»... فإنه من العسير حقاً التعبير عما يجري في لبنان عبر الصور والعبارات المختزلة.