بعد الارتباك الأولي من تطورات غير متوقعة في تونس، ودهشة أمام الاستيقاظ من سبات طال، وتساؤلات عما يحدث حقاً، تبعتها أخرى عن إمكان انتقال «عدوى» الانتفاضة الشعبية إلى بلدان عربية أخرى، باتت أخبار هذا «الربيع العربي» عناوين ثابتة ورئيسة في معظم نشرات الأخبار الفرنسية، سواء منها العامة أو الإخبارية، التابعة للدولة أو الخاصة. وفي الوقت الذي حظيت فيه تونس ومصر بمتابعة مفصلة شبه يومية، فإن التغطية بدت في بادئ الأمر مختصرة وسريعة في تناولها لما يجري في اليمن والبحرين وسورية وليبيا. لكنّ وتيرة الاهتمام ارتفعت بهذه الأخيرة بعد قرار تدخل حلف الأطلسي لحسم المعارك. وبلغت ذروة الاهتمام الإعلامي بمصر يوم انتظار الخطاب الأخير للرئيس المخلوع حسني مبارك عندما طرح التساؤل: «هل سيرحل؟». وبالنظر إلى أن ما يحدث في هذين البلدين، إضافة إلى العلاقات السياسية الخاصة التي تربط فرنسابتونس ومصر مقارنة ببقية بلدان الثورات العربية، يمس ايضاً في شكل مباشر كثيراً من الفرنسيين (سياحة، مشاريع تجارية وعقارية...) فقد كرست تحقيقات تلفزيونية عدة مثلاً عن تأثير الثورات العربية على الحياة اليومية للفرنسيين. أما سورية، فبدت تغطية ما يحدث فيها أكثر تعقيداً. ولم تنعم الاحتجاجات بتغطية مماثلة لتلك التي حظيت بها ثورات تونس ومصر وليبيا. في البداية، كانت الأخبار مختصرة والتحليلات نادرة، تصحو فجأة مع تطور «مهم» على أرض الواقع. وكان عنصر المفاجأة واضحاً، ومعه الحذر بحيث بدت المحطات الفرنسية بكل أنواعها على توافق مع المواقف الرسمية، وكتبرير للمواقف «الخجولة» أمام الحدث السوري، كما أشارت محطات عدة إلى وضع سورية «المهمة استراتيجياً في الشرق الاوسط» لجهة العلاقة مع الجيران وبخاصة «إسرائيل»، وإلى «عدم معرفة البديل الذي يمكن أن تتمخض عنه الاحتجاجات السورية». واتفقت التحليلات على وجود خشية، من «زعزعة» في المنطقة. لكن الحدث السوري الذي كان يغيب عن النشرات اليومية لأكثر المحطات متابعة عند الفرنسيين (عامة غير متخصصة)، وهي «تي اف 1» و «فرانس 2»، ليتطرق إليه بكلمات سريعة أيام الجمعة، احتل الموقع الأول عند اقتحام الدبابات لدرعا بعد شهر ونصف من بدء الاحتجاجات، وحين طرأ تحول رئيس في موقف المتظاهرين الذين أضافوا إلى مطلبهم الأول «الحرية» في بداية التظاهرات، شعار «اسقاط النظام». ولم تكف النشرات الإخبارية عن الإشارة إلى «طرد الصحافيين» من مواقع الأحداث في سورية، في تبرير لرداءة الصور المعروضة، وهو أمر دفع في النهاية بمحطات عدة («آرتي»، «فرانس2»...) إلى إعداد تقارير وأفلام يصورها بالسر مراسلون لها يتسللون الى داخل سورية من دون موافقة السلطات. وهكذا، ظهر فيلم «سورية في جحيم القمع» على «آرتي»، كما تحقيقات عدة عن حمص «قلب الثورة السورية» و «المدينة الشهيدة» كما وصفت. وكان أبرزها ما بثته «فرانس 2» و «فرانس24». تحقيقات أجمعت على «شجاعة وتصميم» الأهالي على رغم المخاطر الهائلة، وعلى «القمع الوحشي» للسلطة و «القتال غير المتكافئ». الثورات العربية، كانت مناسبة لمحطات فرنسية للتطرق إلى أحوال بلدان نادراً ما كانت تلقى اهتماماً مثل اليمن وسورية، وبدت «فرانس 24» المحطة الإخبارية الفرنسية الموجهة الى خارج فرنسا (اشتراكات خاصة في فرنسا) الأكثر متابعة لما يجري في المنطقة العربية من تحولات. كذلك اهتمت معظم القنوات التلفزيونية الفرنسية بموقف المرأة العربية من الثورات في بلادها، وسعت لإجراء تحقيقات ولقاءات عن مشاركة شخصيات نسائية برزت بنشاطها «الثوري» (توكل كرمان في اليمن، سمر يزبك وفدوى سليمان في سورية)، كما تابعت تفاصيل العمليات الانتخابية في تونس ومصر ونتائجها «المفاجئة»، وركزت (مصدومة؟) على الخطاب الأول لرئيس المجلس الانتقالي الليبي بعد القضاء على القذافي. لكن هذه القنوات تبدو الآن، وعلى رغم نتائج الديموقراطية «المخيبة» التي وجد فيها محللون «عودة إلى وراء»، وكأنها قد استسلمت لخيارات الشعوب التي لن تكون كما «أملوا» لها أن تكون.