في كتابه «اوراق حمص» يشير الكاتب الأميركي- الفرنسي جوناثان ليتل، الذي قضى مع ثوار حمص أياماً في بداية العام الحالي بهدف إجراء تحقيق عن المدينة وثورتها بتكليف من جريدة «لوموند» الفرنسية، إلى أسئلة البعض له عن الرأي العام الفرنسي وكيف يتم التعامل مع الشأن السوري. إنه الفضول يدفع اياً كان لمعرفة صورته لدى الآخر، مدى تعبير تلك الصورة عن الحقيقة، ومدى قدرتها على خدمة قضيته حين تكون لديه قضية معينة. هنا ليس مجالاً للحديث عن إجابات ليتل، بل محاولة إلقاء ضوء على «الصورة» التي يعكسها الإعلام الفرنسي عن سورية وأحداثها، من دون أن تعكس تلك بالضرورة الرأي العام الفرنسي. يورد الإعلام المرئي في فرنسا والذي يبدو متعاطفاً، ولا سيما بعد تقارير لصحافيين غربيين عايشوا الأحداث وشهدوا «فظاعات»، على رغم محلية النشرات الإخبارية المبالغة، يورد أخبار سورية على نحو منتظم وإن كان مختصراً... بحيث يمكن القول إن الاكتفاء بما تبثه المحطات التلفزيونية لفهم ما يجري، من دون السعي للحصول على معلومات إضافية من الصحافة المكتوبة مثلاً، لن يعطي سوى صورة مشوشة قد تزيد الأمور تعقيداً في ذهن المشاهد وبخاصة في الفترة الأخيرة. لكن تحصل أحياناً طفرات مفاجئة وتنهمر التقارير والتحاليل عن الحدث السوري بعيداً من اليومي والمباشر، ما يسمح بإدراك «أقل سوءاً» لمجريات الأمور. يوم الثلثاء الفائت مثلاً، لم تهتم المحطات الفرنسية حقاً بمؤتمر المعارضة السورية في القاهرة، بل اهتمت ببث تقارير وتحقيقات عن الوضع السوري. «فرانس 2» بثت في نشرتها المسائية تقريراً عن الجيش الحر وسيطرته على 40 في المئة من المناطق وعن مدى «تطور فعاليته وتحدّيه المتزايد للنظام عبر زيادة نوعية في عملياته». فيما بث تقرير «لا يفوت»، على ما ذكر موقع محطة «بي اف ام» الإخبارية، عن «مستشار سابق لبشار الأسد». التقت المحطة الشيخ احسان بعدراني، الذي غادر سورية مع ابنه في الصيف الماضي، وتحدث «إمام الجامع المجاور للقصر الرئاسي خلال واحد وعشرين عاماً» فيما صوره والدماء على وجهه تتصدر الشاشة، للمشاهدين عن التعذيب الذي تعرض له «لتجرؤه بالهجوم على النظام» وعن إقالته ومنعه من ممارسة كل نشاط ديني وضربه وتهديده كي لا يتفوه بشيء. كما تحدث عما شهده بنفسه من عنف على «المتظاهرين السلميين بالأسلحة والعصي الكهربائية»، وأطلع الفرنسيين على تفصيل لطرق التعذيب من الابن الشاب الذي تحدث عن «الدولاب والمياه المثلجة والضرب بالحبال الكهربائية»، كأن الجلادين كانوا «يبحثون فعلاً عن فعل شيء يترك أثره على جسدي مدى الحياة». في المقابل، يبث الإعلام الفرنسي كل ما يصله من الطرف المقابل كالانتخابات والمسيرات وتشكيل الحكومات... وكان آخر ما ذكره في هذا الخصوص تفجير الإخبارية وصورة زوجة الرئيس في قميص خطّ عليه «حلوة يا بلدي»، وحلوة... رغم كل ما يجري في بلدها!