يمثل علم المملكة العربية السعودية هوية وطنية ورمزاً لكل مواطن لهذا البلد، كما أنه يعد ركيزة أساسية ورمزًا يجسد ويعكس تاريخ وحضارة المملكة، ويعيش به حاضرها، ويرسم نجاحات مستقبلها، فهو ليس مجرد قطعة قماش بألوان محددة ترفرف في السماء، بل هو يتعدى ذلك بكثير ليكون رمزًا يعبر عن عمق تاريخي لتوحيد المملكة، ويمثل به استقلالها وتوحدها، كونه راية توحد أبناءها وتعزز من قربهم لهويتهم وانتمائهم إلى أرض واحدة فهو محل للاعتزاز بحضوره في مختلف المناسبات على الصعيدين الإقليمي والدولي، كما أنه يعد سمعة نجاح المملكة في المحافل العالمية، فهو علم نحتفي به ونحتفل فيه. ويذكر عبد الله الخصين الثقفي مؤرخ وكاتب ومؤلف "أن العلم الوطني يمثل رمزًا مهمًّا للسيادة، وتعريفًا بالدولة من خلال هوية بصرية تعكس جوانبها الحضارية والإنسانية والتاريخية "، ويكمل: إن "رمزية العلم الوطني السعودي تعبّر عن كثير من المعاني الوطنية، حيث يُعد رمزًا لسيادة الوطن وعزته وكرامته، ورمزًا لولاء الشعب لقيادته ووطنه، كما أنه يعبر عن هوية الدولة وتاريخها، ويسمّى رسميًّا ب "العلم الوطني". تطورات للأخضر ويضيف الثقفي قائلًا: "اكتسب العلم الوطني السعودي (الراية) رمزية خاصة منذ عهد المؤسس الأول الإمام محمد بن سعود (1139 1179ه/1727- 1765م)، واستمر وتطور في عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن (1319 - 1373ه/ 1902 - 1953م).". فالعلم السعودي المعتمد اليوم هو امتداد لعلم الدولة السعودية الأولى، فكان العلم السعودي بمرحلته الأولى باللون الأخضر الذي يعطي دلالة على النماء والعطاء والرخاء، كما أنه مشغول من الخز والإبرسيم، والخز هو بمعنى النسيج، أما الإبرسيم هو من أحد أجود أنواع الحرير، ويكون جزءًا منه وهو القريب من الحامل باللون الأبيض، ويتوسطه كلمة التوحيد وهي الشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وهذا العلم بتلك المواصفات استمر إلى الدولة السعودية الثانية. وفي عهد الملك عبد العزيز آل سعود -طيب الله ثراه- طور علم الدولة السعودية الأولى وأضيف إليه السيف، وذلك فيه دلالة ورمزية للقوة، ويأتي موقعه تحت كلمة الشهادة، كما أنه اعتمد شكل العلم السعودي وهو العلم الأخضر مع كتابة كلمة التوحيد باللون الأبيض في وسط العلم، وفي أسفله السيف المسلول موازيًا لكلمة التوحيد، والآن هو ذو شكل مستطيل عرضه يساوي ثلثي طوله، ولونه من السارية إلى نهاية العلم باللون الأخضر، تتوسطه الشهادتان مكتوبتان باللون الأبيض، تحت الشهادتين سيف، وهذا العلم هو علم لا ينتكس أبدًا؛ توجد الشهادتين في وسطه، احترامًا وتقديرًا لمعنى الشهادة، فحتى لو حدث الحداد الذي يصاحبه إنزال العلم من موقع ارتفاعه في جميع المقرات الحكومية، إلا أن العلم السعودي لا ينتكس أبدًا، تطبيقًا للمادة رقم 13 من نظام العلم السعودي، التي أكدت أنه لا يجوز تنكيس العلم الوطني، كما أنه لا يلامس العلم سطحي الأرض والماء؛ لأنه يحمل راية التوحيد، ولتعزيز أهمية ما تحمله الراية الخضراء من معنى ومكانة قرر وضع يوم خاص بالعلم السعودي. علم الإنسانية ارتبط العلم الأخضر السعودي بالمواقف الإنسانية التي يسطرها له التاريخ، فهو لا يرفع في المناسبات السياسية وحسب، بل يرافق العلم في مناطق الأزمات في مختلف الدول، فيكون موجودًا في شاحنات الإغاثة، وفي صناديق الأغذية، وعلى أزياء الفرق التطوعية السعودية، وغيرها، فالمبادرات الإنسانية على الصعيدين الحكومي والخاص كثيرة في مجال القضايا الاجتماعية الإنسانية متمثلة تحت راية التوحيد الذي تترجم بها جهود تلك المبادرات في البذل والعطاء، ويرسخ هذا العلم حضور المملكة في الميادين الخيرية المختلفة، فمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية جاءت فيه إحصائيات الأعمال الخيرية ب 22 مشروعًا بنحو إجمالي تكلفة تصل إلى أكثر من 7 ملايين دولارًا أميركيًا وذلك في عام 2019م. وكانت أكثر الدول تلقياً للمساعدات هي الجمهورية اليمنية بنسبة 61،37 %، ثم فلسطين بنسبة 10،85 %، يليها في المرتبة الثالثة سوريا 8،21 %، وذلك حسب إحصائيات مذكورة في كتاب "سيرة ومسيرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود". علم صار أملًا للمحتاج كما أطلق المركز برنامج "أمل" التطوعي السعودي لتقديم الخدمات الطبية والنفسية، حيث أفاد الدكتور خالد الضبعان استشاري جراحة الكلى والمسالك لدى الأطفال، والمشارك في برنامج أمل لتخفيف معاناة أهل سوريا بأن وجود العلم السعودي في المساعدات يحدث فرقًا: "اعتاد العالم المستفيد من المساعدات السعودية أن وجود العلم السعودي والفرق التطوعية يعزز من شعورهم بالطمأنينة بقدوم الخير والعطاء لما تقدمه المملكة من مساعدات وعمل إنساني متكرر وناجح حول العالم وعلى مدار العام.. "، ويضيف عن موضوع تأثير رمز الهوية الوطنية (العلم) على سلوك وأداء المتطوعين فيذكر أن "العلم السعودي يعطي شعوراً بالمسؤولية لمن يمثلون المملكة في الفرق التطوعية ليقدموا العمل باحترافية وإنسانية عالية، ويعزز الشعور بالفخر بتمثيل هذا الوطن وإبراز الهوية الوطنية دوليًا"، كما وضح أهمية وجود العلم السعودي على سيارات الإغاثة وملابس المتطوعين قائلاً: "يساعد وجود العلم السعودي في المساعدات على أمور عدة منها، المساعدة في توثيق مصدر المساعدات وحمايتها من الاستغلال، وفي تسهيل وصول الفرق التطوعية للمحتاجين، كما يسهم في تعزيز ثقة المستفيدين بأن المساعدات أتت من مكان ذي ثقة ورسمي وبطريقة احترافية، وأيضًا في توحيد الفرق التطوعية بالمساعدات المقدمة تحت هوية وطنية واحدة". في الشعر والثقافة تفيد عائشة يحيى الحكمي -أستاذ مساعد في جامعة تبوك سابقًا، باحثة وقاصة- بأن "المناسبات الثقافية من أكثر المناسبات ترسيخًا لوجود العلم وأهميته في ذاكرة الأجيال، مثل المهرجانات، ففي مهرجان عكاظ الجنادرية يحضر العلم مرفرفاً من خلال التحية المتفاعلة من المنظمين أو الجمهور، ولا تخلو مناسبة ثقافية أو فعالية من حضور العلم من خلال النشيد الوطني الذي يتردد في الافتتاح بصورة تحرك مشاعر الولاء والانتماء، ومن خلال انتشار الصور والشعارات القماشية التي تحمل لون وحجم العلم". وتضيف: "الأدب لسان حال الأمة، يسجل فكرها وتاريخها وتطورها وتحولاتها الجيدة وغير الجيدة، أو ما تمر به من هزائم أو انكسارات، يجسد التفاصيل التي يعجز عنها التاريخ، ومن أقوى المعززات تسجيل محتوى العلم وما يمثله من دلالات شعرًا ونثراً، أو يتسرب في ثنايا الفنون، كما نلاحظ معظم الحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي تتوشح بالأخضر، وأحيانًا يُتخذ هوية للشخص بدل صورته دلالة على عمق الصلة بين المواطن وعلم بلاده. والمجال الثقافي عامةً، ولا سيما مجال الشعر العربي لم ينحَ بعيدًا عن الدعم والاعتزاز في وصف العلم السعودي، فالشعر هو مشهد ثقافي بحد ذاته ومرآة تعكس عمق المشاعر، فكانوا وما زالوا -الشعراء- يصفون الراية الخضراء بأنها رمز للقوة والوحدة في مختلف قصائدهم التي تتغنى بأمجاد الوطن، بل القصائد تتجاوز التأثير الترفيهي حيث إنها تلامس العواطف والمشاعر لتصبح رسالة انتماء، تسهم في زيادة حس وروح المواطنة، خصوصًا مع ارتباط العالم العربي بالشعر، حيث كتب الأمير خالد الفيصل -حفظه الله- قصيدة شعرية وطنية بعنوان "أنا السعودي" وأشار فيها إلى العلم السعودي بشكل مباشر حيث يقول: " أنا السعودي رايتي رمز الإسلام وأنا العرب وأصل العروبة"، فالعلم السعودي هو رمزية لراية الإسلام، كما جاءت ثالث قصيدة وطنية كتبها الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن -رحمة الله- وأول قصيدة وطنية له مغناة تحت بعنوان "حدثينا يا روابي نجد"، التي غناها الفنان محمد عبده، ولحنها سراج عمر، وجاءت في كلماتها " لا إله إلا الله موحدين ومحودين"، وهي الشهادتان اللتان تتوسطان البيرق الأخضر، وبعد ما أمر الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- للأمير بدر بكتابة قصائد وأغانٍ وطنية؛ لتسليط الضوء على الجانب الوطني في الفنون، خرجت للنور قصيدة مكتوبة ظلت في داخل الأدراج لفترة عامين، ولا تزال إلى وقتنا الحاضر مرتبطة بكل الأجيال وهي القصيدة بعنوان "فوق هام السحب" التي غناها ولحنها محمد عبده، التي يخاطب فيها العلم السعودي في طياتها وبشكل غير مباشر مصورًا فيه إصرار السابقين الذين وقفوا متمثلين بالبيرق الأخضر، وفي قصيدة لشاعر محمد الثبيتي يصف في إحدى قصائده التي تحمل عنوان "من وحي العاشر من رمضان" يذكر "رايات مجدك في السماء ترفرف" التي تصف الراية بأنها المجد، ورمزية السماء تدل على أنها مرتفعة وترفرف عاليًا، أيضًا القصيدة المغناة "بلادي منار الهدى" من كلمات سعيد الفياض، التي لحنها الموسيقار سراج عمر حين يقول " باسم المهيمن حامي العلم" وهنا يقصد بالمهيمن الله -عز وجل- وهو من سيحفظ العلم ليبقى مكافحًا وشامخًا عاليًا، وكذلك كتب الشاعر عبدالله الغيداني "رفرفي يا راية التوحيد" التي ذكر فيها العلم على نحو مباشر فيصف رفرفة العلم ويقول: " رفرفي بالعز يا راية بلادي فوق هامات المزون المسفهله"، كما يمثل رفرفة البيرق الأخضر وراية التوحيد تحت كلمة الملك سلمان بن عبدالعزيز فيقول " رفرفي يا راية التوحيد ليوم التنادي تحت كلمة سيد الحزم القيادي". فالشعر الوطني عامة يهدف لأهداف نبيلة تعزز من روح المواطنة، وقد تكتب القصائد الوطنية لتقديم رسالة وردًا على المعادين للوطن، وخلال أزمة الخليج الأولى ظهرت أغنية "أجل نحن الحجاز ونحن نجد"، التي كتبت بهدف الرد على من كان محاولات لإثارة النعرات بين أبناء المملكة خصوصًا مع تصاعد الدعايات المسيئة من الأعداء، حيث إن تلك الخطابات والمحاولات المسيئة لم تحقق أهدافها، بل أخرجت أغنية وطنية، تأكد مفهوم التلاحم الوطني، إلى جانب قصائد كثيرة تحمل نفس الهدف السامي. العلم وأعرق الجامعات يحتل صرح التعلم مكانة كبيرة في ترسيخ قيمة العلم لدى الأفراد، وذلك من خلال المشاركات المجتمعية في مختلف المناسبات الوطنية، وتضم المملكة عدداً من الجامعات العريقة والرائدة، مثل: جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وجامعة الملك سعود، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حيث يعد العلم قوة تدفع المجتمعات متمثلين به نحو التطور والازدهار، كما أن الراية الخضراء لها مكانتها البارزة في الكليات العسكرية، فهي عنوانٌ للعزة والقوة، وتحت ظل الراية الخضراء وفي سبيل تحقيق الاستقرار وحفظ الأمان في المنطقة، يزدهر التعليم الجامعي في الرياض بعدد من الكليات العسكرية المختلفة مثل كلية الملك عبد العزيز الحربية، وكلية الملك فيصل الجوية، فيجمع العلَم بين الاتزان والانضباط، وذلك لتحقيق خدمة الوطن ورفع رايته. وفي السياق ذاته -العلم والمعرفة-، فإن النجاحات العلمية في مجال الاختراع والابتكار تفتح آفاقًا للطلاب الذين هم يمثلون الركيزة الأساسية في البيئة والمجال التعليمي، حيث أصبحوا نموذجًا يمثل الراية الخضراء في المناسبات العلمية العالمية، فحين يتوج الشاب السعودي ويحصل على الميداليات والجوائز ويحقق المناصب العلمية، هو لا يمثل نفسه وحسب، بل أيضًا يمثل الوطن ورايته، وهذه النجاحات دليل على أن المملكة تسير بثقة وبخطى ثابته نحو مستقبل مشرق وزاهر، مدفوعة بطموح أبنائها المواطنين في تمثيل راية التوحيد على المستوى العالمي. علمًا يصل للفضاء في مواصلة نجاحات أبناء الوطن، لا يزال العلم السعودي محافظًا على نجاحه في بقائه مرتفعًا في جميع الأوقات، حتى وصل بعد ذلك لأيدي أبنائه خارج كوكب الأرض في الفضاء الخارجي، فرفع رائدا الفضاء علي القرني، وريانة برناوي العلم الوطني في عنان السماء فخرًا واعتزازًا به، وذلك في عام 2023م، وهذا الإنجاز هو مشهد يخلد في التاريخ، وفيه تجسيد لتفاني أبناء الوطن سعيًا منهم لتحقيق النجاحات، والإنجازات المستمرة. العلم والرياضة يمثل المجال الرياضي بمختلف فروعه، أكثر من مجرد مجال تنافسي بين الأفرقة بشكل خاص، وبين الجمهور، بل يتعدى ذلك ليمثل الأوطان ويرفع رايتها، ويحققون النجاح باسمها في المحافل الدولية، فالمنتخب السعودي في جميع أنواع الرياضات يجسد هوية الوطن في ظل البيرق الأخضر، ففي كرة القدم يشارك المنتخب السعودي بطقمه الأخضر وبشعار المملكة في البطولات العالمية، وفي الجانب الرقمي تشارك الأندية الرياضية السعودية في مجال الرياضات الإلكترونية، ساعيةً لتحقيق النجاحات حيث توج فريق "فالكونز" بأفضل منظمة للرياضات الإلكترونية على مستوى العالم، وذلك في حفل جوائز Esports Awards 2024، كما حقق الفريق الفوز بكأس العالم للرياضات الإلكترونية بنسختها الأولى، ممثلين راية بلادهم. وعلى صعيد ذي صلة، فللمدرجات الرياضية طابع خاص، بأهازيج جمهورها المشجع، حيث يردد المشجعون الكلمات الملحنة والتي غالبًا تستلهم كلماتها من الموروث الشعبي أو عن بعض الأغاني العاطفية، مع إعادة صياغتها لتكون ملائمة مع أجواء المنافسة والتشجيع، حيث تمتزج الأغنية الرياضية السعودية بين أجواء المدرجات المشجعة، وبين المفردات الوطنية، فلهذا كثير من الأغاني والأهازيج الرياضية تشير للون الأخضر للعلم السعودي ورمزيته، مثل أغنية "الإعصار الأخضر" من كلمات عبد الرحمن بن مساعد، ومن تلحين عبادي الجوهر "هذا الأخضر لا لعب جهزوا كأس الذهب "، ويأتي الأخضر رمزية للون زي المنتخب السعودي والعلم السعودي.