بخطوات متثاقلة حمل الطفل الصغير أكياس النفايات الممتلئة بالقاذورات من منزل العائلة متوجهاً إلى أقرب حاوية للنفايات، وحينما وصل إلى المكان فتح الأكياس وأفرغ محتوياتها قرب الحاوية، قبل ان يسمع صوت والدته التي وقفت تراقبه من بعيد وهي تثني على فعلته، وعاد راكضاً نحوها بالأكياس الفارغة كما لو أنه عثر على غنيمة. أما الأم التي اطلقت عبارات التشجيع لابنها فعادت إلى داخل المنزل بعدما راقبته وهو يعيد إليها تلك الأكياس التي لا تساوي شيئاً، فالمرأة التي اعتادت ان توصي طفلها برمي النفايات والعودة بالأكياس لم تدرك يوماً أن وصيتها تلك تسيء إلى البيئة وإلى المنظر العام للشارع الذي تقطنه. وعلى مقربة من الحاوية ذاتها وقف عدد من الشباب يتبادلون النكات وهم يتناولون بعض الحلوى والمشروبات الغازية ثم غادروا المكان بعدما رموا الأغلفة والقناني الفارغة في المكان ذاته. فالبيئة ومشكلاتها لا تثير اهتمام العائلات العراقية بالشكل المطلوب، اما التقارير العلمية التي يشاهدها الأهالي على شاشات التلفزيون والندوات التي تقيمها وزارة البيئة العراقية للشباب فلا تخرج عن كونها أحاديث علمية تنتهي في المكان الذي تبدأ فيه، إذ من الصعب أن تتأقلم العائلات التي اعتادت على الإهمال البيئي طوال حياتها على قضية الاهتمام بالبيئة ومؤثراتها وانعكاساتها على المجتمع حاضراً ومستقبلاً. وعلى رغم أن التغير المناخي الذي تتعرض له كل دول العالم انعكس في شكل ملحوظ على بيئة العراق في شكل عام وبيئة العاصمة في شكل خاص، وأبرز مشكلات عصرية لم تكن محسوسة من قبل مثل الجفاف والتصحر وتزايد نسبة الإصابة بالسرطانات وغيرها من الأمور، إلا أن دور الاسرة العراقية في دعم البيئة لا يزال في طور الولادة ولا يرتقي إلى المستوى المطلوب، بل يكاد يكون داعماً للقضاء على البيئة والإخلال بالتوازن البيئي سواء كان ذلك مقصوداً أم غير مقصود. ولا يقتصر إهمال البيئة من جانب العائلات العراقية على رمي مخلفات الاستخدام اليومي أين ما شاءت أو الإكثار من استخدام الأجهزة والمواد التي تضر بالبيئة، بل ينعكس هذا الأمر على جوانب اخرى تتعلق بعدم توعية الاطفال بأهمية البيئة، الأمر الذي يولد اهمالاً متوارثاً، فينتهج الطفل سلوكاً يشابه سلوك ابيه، فيرمي المخلفات وعلب العصائر الفارغة في الشارع مثلما يفعل والده تماماً حينما يخرج العلبة من نافذة سيارته ويرميها بعد انتهائه من تناول العصير. ويقول سمير مزاحم وهو سائق سيارة أجرة إن عادة رمي علب المشروبات الغازية في الشارع هي أمر طبيعي يمارسه جميع الركاب وسائقي سيارات النقل الخاص والعام على حد سواء. ويستغرب سمير الحديث عن البيئة ويبرر هذا الأمر بأن شوارع بغداد في الأصل تكتظ بالقاذورات، فلماذا يتوجب على الناس ان يكونوا نظيفين في مكان غير نظيف او ان يعلموا أولادهم النظافة في مكب النفايات؟. ويبدو ان الاعتياد على رمي النفايات في الشارع بدلاً من التفكير بالحفاظ عليه من القاذورات انسى السائق المذكور ان التربية البيئية تبدأ من الاسرة وان الانسان هو المتحكم الأول والاخير في البيئة التي يعيش فيها، وان الشارع ما كان ليملأ بالقاذورات التي تحدث عنها لولا رمي السكان النفايات كيفما اتفق من دون تقدير العواقب. ويؤكد مدير بيئة بغداد، صباح ميخا ان الوضع البيئي في بغداد وصل الى مراحل خطيرة في العامين الماضيين، موصياً بوجوب أن تخضع العائلات العراقية الى دورات تثقيف وتوعية خاصة بكيفية الحفاظ على البيئة في ضوء التغيرات المناخية التي تطورت بشكل كبير في السنوات الماضية، فضلاً عن فرض عقوبات قانونية على المواطنين الذين يساهمون في الإخلال بالبيئة بصرف النظر عن أعمارهم وجنسهم.