لا تُكافئ جائزة «منف»، المتخصصة باختيار أفضل عشر روايات عربية منشورة إلكترونياً، الفائزين بمبالغ مالية، لكنها تتيح نشر أعمالهم ورقياً، ما يدفعنا الى السؤال عن جدوى نشر الأعمال الإلكترونية وأهميتها مادام النشر الورقي لا يزال هدفاً يصعب التنازل عنه. ومع أنّ الشبكة العنكبوتية أتاحت فضاءات واسعة للانتشار، لم يستطع النشر الإلكتروني حتى الآن أن يكون بديلاً عن الورقي، وفق رأي كثيرين من الكتّاب والناشرين والمتخصصين. يرى الروائي المصري مكاوي سعيد أن النشر الإلكتروني للإبداع الأدبي لا يُغني إطلاقاً عن النشر الورقي. فالكتاب الورقي مازال معتمداً في آليات بيع الكتاب والاحتفاظ به، فيما الأول مفتوح على مجهول. ويضيف: «المكتبة الإلكترونية لا تغني عن المكتبة التقليدية التي تربطها بالكتّاب علاقة حميمية. إضافة إلى أن النشر الورقي يضمن الحقوق الفكرية والمالية، ويتيح ايضاً فرز الأعمال الأدبية، لاستبعاد الرديء منها، بينما يزخر الواقع الافتراضي بالغثّ من الأعمال». ويقول الروائي وأستاذ الأدب الإنكليزي بهاء عبد المجيد: «لا أفضّل الروايات المنشورة عبر الواقع الافتراضي. أفضّل الكتاب المطبوع لأنه هو الذي يعوّل عليه في إثراء ذاكرة الكتابة. العالم الإفتراضي ذاكرته ضعيفة، ولا ضمان لعدم محوها في أي لحظة بضغظة زِر. أنا أحب أن أرى كتبي بين أيدي القراء. أما الكتاب الإلكتروني، فيمكن اعتماده فقط في حال صعوبة الحصول على نسخ مطبوعة منه». أما مدير دار «الدار» للنشر محمد صلاح مراد فيقول: «تعاقدت قبل نحو عامٍ مع دارين للنشر الإلكتروني، بغية تسويق بعض الكتب، ولكن حتى الآن لم تردني من أي منهما أي مبالغ نظير ذلك، بدعوى انعدام المبيعات. لم نعتد بعد في منطقتنا على القراءة الإلكترونية، أو شراء الكتب في صيغة (بي دي إف) ومن ثم لا يزال الكتاب الورقي هو المفضل عند القارئ والكاتب على حد سواء، وإلا ما كان لأحدهم أن يبادر بتخصيص جائزة للروايات المنشورة إلكترونياً، تكافئ الفائز بنشر روايته ورقياً». ومع ذلك؛ يرى مراد أن الوضع في العالم العربي ربما يختلف في المستقبل، فيتوارى النشر الورقي مقابل النشر الإلكتروني تحت ضغط ارتفاع كلفة الطباعة والتسويق في صورتيهما التقليديتين. ويقول الأمين العام للنشر في الهيئة العامة لقصور الثقافة سابقاً الشاعر محمد أبو المجد: «الاتجاه نحو النشر الإلكتروني مطروح منذ 15 عاماً، لكنّ الصعوبة الأساسية التي تواجهه تتمثل في تفشي الأمية؛ خصوصاً في مجال التعامل مع الإنترنت، فضلاً عن غلبة ثقافة القراءة في شكلها التقليدي، وغلبة الرغبة في اقتناء الكتاب الورقي». وكشف أبو المجد أنه تم طرح فكرة نشر بعض الكتب والمجلات عبر «قصور الثقافة» إلكترونياً، لضعف الإقبال عليها ورقياً، لكنها تعثرت لعدم الجاهزية الفنية لتحويل هذا الطرح إلى واقع». ويرى مسؤول المبيعات في مكتبة «مدبولي» أشرف بدر، أن «النشر الإلكتروني أثَّر سلباً في سوق المطبوع ورقياً في مصر بنسبة تصل إلى 30 في المئة، لكنّ هذا الأمر لن يدوم طويلاً لأن الغلبة ستظل على ما يبدو للنشر الورقي الذي يشكل طموح غالبية الكتاب، ويلقى قبول القرّاء، وهو أمر تسهل ملاحظته في معارض الكتب في مصر وغيرها من الدول العربية». ويرى السكرتير العام السابق لاتحاد الكتّاب المصريين مصطفى القاضي أنه لا ينبغي التغافل عن حتمية النشر الإلكتروني، ويقول: «النشر الإلكتروني، خصوصاً الأدبي، يعتبر بالنظر إلى ظروفنا الاقتصادية ملائماً جداً، ولكن يظل النشر الورقي ضرورياً للكتب الفكرية مثلاً». ويلاحظ القاضي أهمية وضع القوانين التي تحفظ حقوق المبدع الفكرية والمالية، في حال النشر الإلكتروني، وتوفير جانب كبير مما ينفق على الطباعة التقليدية لدعم هذا النوع المستحدث مِن النشر. ويعتقد الروائي محمد غزلان أنه مهما ارتفعت كلفة النشر التقليدي فلن يتوسع الناشرون في الصيغة الإلكترونية، مشيراً إلى أن تلك الصيغة تظل مناسبة للكتاب الجدد والذين لا يملكون مالاً يدفعونه لدور النشر نظير طباعة أعمالهم وتوزيعها. ويضيف أن النشر الورقي لا يزال هو الدجاجة التي تبيض ذهباً بالنسبة إلى الناشرين في العالم العربي، فهم يغالون في هامش الربح الذي يحددونه لأنفسهم، ويأتي ذلك بالطبع على حساب القارئ الذي يعجز عن شراء الكتاب المطبوع، فيسعى إلى الحصول عليه، إما من مواقع قرصنة الكتب إلكترونياً، أو من باعة الكتب المزورة. ويصرّ غزلان على أن الكتاب المطبوع ورقياً هو سلعة غير قابلة للتلف، وما لا يباع منه اليوم؛ يباع غداً وبسعر أعلى، خصوصاً إذا كان مدرجاً في قائمة الكتب الممنوع تداولها عبر سلطات هذه الدولة أو تلك. وفي الأحوال كافة يبقى الناشر هو الرابح الأكبر في هذا الصدد. ويستطرد غزلان قائلاً: «أهم ما في الموضوع هو حال المبدع الذي يمتلك مالاً يدفعه لنشر كتابه ورقياً بجهد فردي، لكنه يواجه مشكلة التوزيع. وهنا يكون اللجوء إلى ناشر أمراً حتمياً منذ البداية بغية القيام بهذه المهمة». في مصر يحصل مثل هذا الناشر من المؤلف على بضعة آلاف مِن الجنيهات، ولكنه لا يشركه في ما يحققه مِن ربح. وعلى أية حال هذا هو ما يحدث عادة في العالم العربي؛ خصوصاً في مجال نشر الأدب؛ مِن شعرٍ وقصة ورواية ومسرح. وهكذا يظل النشر الورقي مفضلاً على الإلكتروني لناشري الروايات وكتّابها على حد سواء».