مع ثورة عالم الاتصالات، طفت على السطح بعض الكتب التي ينشرها مؤلفوها إلكترونيا، قبل أن تنشر ورقيا، بعضهم يرى أن الأجهزة الذكية تساهم في انتشار الكتب لأنها في يد كل شخص، وبعضهم عوّل على قرصنة الكتب الورقية، وآخرون ردّوها لتعامل الناشر العربي الورقي في توزيعه للكتاب، مما يثير أسئلة: هل نشر الكتب إلكترونيا يرضي الناشر والكاتب؟ وهل الكتاب الورقي سيخفت حضوره في ظل وسائل الاتصالات الحديثة مثل الآيفون والآيباد والجالكسي؟. الكاتب أشرف فقيه يرى أن النشر الرقمي في العالم العربي ما يزال في بداياته، والعوامل التي تعيقه بعضها تقني وبعضها متعلق بسوق الكتاب، فمن الناحية التقنية؛ ليست هناك منصة نشر ربحية موحّدة تدعم المحتوى العربي، القارئ العربي لا يمانع في القراءة بصيغة رقمية لكن غالباً بالبحث عن نُسخ مقرصنة أو مسروقة. ويؤكد فقيه "أحد الكتاب الذين نشروا كتبهم إلكترونيا قبل نشرها ورقيا "أن الكتب الرقمية المتوفرة مقابل ثمن سرعان ما تجد من يتبرع بشرائها ونشرها مجاناً! هذا السلوك يقتل التجربة ويصدّ الناشر التقليدي عن القنوات الرقمية، وهذا يأخذنا للعامل الثاني. فسوق الكتاب هامش ربحيته ضيق جداً. الورق ثمنه مرتفع والقراء قليلون. والناشر العربي غارق في هذه الدوامة ولا يملك الرؤية أو الرغبة الكافيتين للمغامرة في النشر الرقمي، وأضاف فقيه: "في كندا مثلاً أكبر سلسلة مكتبات اقتحمت سوق النشر الرقمي بقوة وأطلقت قارئاً اسمه Kobo". أي كتاب هناك سينشر بنسختين: ورقية ورقمية.. وربما صوتية أيضاً. وكل نسخة لها جمهورها وتحقق أرباحاً، هذا الفهم للسوق مفقود على الصعيد العربي وإن كانت له استثناءات، لكن معظمها يعاني من ثغرات أمنية. أما تطبيق (سيوبيه) الذي نشرت أنا روايتي (المخوزِق) عبره فيتميز بمستوى حماية عالٍ ضد القرصنة مما شجعني على اعتماده حين قررتُ المبادرة وتجريب ميزات الكتاب الرقمي. ويتابع فقيه: النشر الرقمي لا يحقق –عربياً- الرواج المطلوب في الوسط الثقافي، ولا يُرضي طموح المؤلف في الاحتفاء بعمله. لذا فلا مفر من النشر الورقي لتحقيق "الوهج" المطلوب وإثبات الوجود، الكتاب العربي لن يختفي، لكنه سيخسر حصة كبيرة من السوق حين يوحد مطورو المنصات الرقمية معاييرهم، ويبهروننا بتطبيقات جذابة، وتدعمهم البنية التحتية للتجارة الإلكترونية. حينها سيتجه لهم الناشرون وربما نشهد تحالفات في هذا الصدد سيكون من نتائجها شن حرب شعواء على مواقع القرصنة. من جهته يؤكد الروائي صلاح القرشي أن الكتاب الإلكتروني نال أهمية كبرى مع انتشار الأجهزة الحديثة ولكنه في العالم العربي مازال بعيدا عن مسألة حفظ الحقوق وخصوصا المادية منها، فبالامكان الآن أن يتم تنزيل معظم الكتب حتى الجديد منها دون أي مراعاة لحقوق النشر المادية ما يتعلق منها بالناشر أو بالكاتب، ولهذا يبدو لي أن الإقبال على النشر من خلال الكتاب الإلكتروني على المستوى المحلي وحتى العربي يبقى محدودا ربما لأنه في نظر البعض لا يختلف عن النشر من خلال مدونة أو من خلال منتدى، مضيفا أني شخصيا لم أجرب المسألة ربما لأنني عاصرت المرحلتين وما زلت مخلصا لرائحة الورق، لكنني في مقابل هذا أمارس القراءة الإلكترونية وخصوصا عندما يتعلق الأمر بكتاب يصعب توفره ورقيا. وحول رضا المؤلف عن النشر الإلكتروني يقول القرشي صاحب روايات "بنت الجبل" و"تقاطع" و"وادي إبراهيم": "أعتقد أن الأمر يمكن أن يرضي غرور المبدع في حال أن الكتاب وجد إقبالا وحصل على قراءات جيدة"، الكتاب الورقي لن يتأثر بوجود الكتاب الإلكتروني على الأقل في المدى المتوسط فما زالت معارض الكتب تشهد إقبالا كبيرا على مستوى العالم، وعلى مستوى معرض الرياض السنوي الذي نراه كل عام يحقق مبيعات عالية. من جانب آخر يرى مالك دار أثر للنشر عبدالله فهد أن النشر الإلكتروني خاصة في مواقع التحميل المجاني قد يوفر للكتاب انتشارا أكثر من النسخة الورقية، لكن ذلك يستوجب جهدا مضاعفا من المؤلف يبذله في التسويق لكتابه عبر الإنترنت، لكن ينسى المؤلف أن هنالك شريحة كبرى من القراء مازالوا يتحفظون على القراءة عبر الشاشة ويتمسكون بالقراءة عبر النسخ الورقية، مبينا أن من عيوب النشر الورقي "المقرصن" أنه لا يتيح للكتاب الوصول إلى المحافل التي تهتم بالكتب مثل معارض الكتب. وحول رضاه كناشر عن النشر الإلكتروني يؤكد فهد أنه إذا ما كان النشر الإلكتروني يتم بطريقة صحيحة ودون السطو على حقوق الناشر أو المؤلف فبالتأكيد سيرضي الناشر لأنه يوفر عليه كثيرا من الجهد الذي يبذله في توزيع الكتاب خاصة، لكن إذا ما كان النشر يتم عبر تصوير الكتب ورفعها على المواقع المجانية فإن ذلك يتسبب في كثير من الضرر الذي يلحق بالناشر ويعيق كثيرا من مشاريعه. وعن رأيه في بقاء الكتاب الورقي في ظل الثورة الهائلة للاتصالات يوضح فهد: أنه لا يمكن أن ننظر للمسألة من هذه الجهة، بل يجب أن نعيد طرح السؤال بطريقة أخرى وهي: ماذا يمكن أن يضيف الكتاب الإلكتروني للكتاب الورقي؟ أتصور أن العمليتين تصبان في اتجاه واحد ونبيل وهو إيصال الكتاب لأكبر شريحة ممكنة من القراء، لذلك يجب ألا يتوجس الناشرون التقليديون من الوسائل الحديثة التي تغزو العالم بل عليهم المبادرة في اللحاق بها والاستفادة منها، مؤكدا أن فكرة التزامن في نشر الكتاب الورقي والإلكتروني من الناشر فكرة جميلة نتمنى أن تتوسع وتنال النجاح، مشيرا إلى أن الوقت مازال مبكرا للحكم على النشر الإلكتروني في العالم العربي، وأعني بالنشر الإلكتروني هو ذلك الذي يتم بطريقة قانونية وعبر أحد الناشرين المعتمدين وليست القرصنات التي يقوم بها بعض القراء، نحتاج لظهور مزيد من شركات النشر الإلكترونية لنرى مدى قدرتهم على إقناع القارئ بهذه التقنية الجديدة حتى يتسنى لنا إصدار حكم عادل ومنصف.