تتسبب المسألة الليبية بإزعاج في الداخل المصري على أصعدة عدة في مقدمها المصريون العاملون هناك، واحتمالات أن تقدم الأزمة الداخلية الطاحنة في ليبيا، والتي تتخذ طابعاً عسكرياً فرصاً لدفع عناصر متنوعة سواء كانت من المتحاربين، أو من المدنيين العزل إلى الحدود المصرية. ولم تشهد الحدود التهاباً مشابهاً في أي وقت، لأن وجود «الدولة» في البلدين أمّن إلى حد بعيد حصار النزاعات بينهما، سواء الصراع الذي اتخذ طابعاً شبه عسكري في عهد الرئيس أنور السادات والعقيد معمر القذافي، ثم مماحكات القذافي نفسه مع نظام الرئيس حسني مبارك من جهة والقيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس ياسر عرفات (أبو عمار)، إذ كانت الحدود كثيراً ما تستيقظ على وقع التهديد بطرد المصريين والفلسطينيين إلى بوابات الحدود مع مصر. أما الآن فإن المشكلة، وإن كانت تبدو ليبية حصراً، حتى في عمليات خطف السفراء وأعضاء البعثات وقتل عدد من المسيحيين المصريين وخطف سائقي شاحنات عبر الحدود، إلا أن المشكلة تؤرق القاهرة وتضع أعباء إضافية على لائحة المشاكل المصرية السياسية والأمنية والاقتصادية الطاحنة. فعلى الضفة الأخرى من الحدود مع ليبيا دولة ضعيفة وميليشيات ومجموعات مسلحة وتيارات سياسية من مختلف الأنواع وتداخل مجتمعي وأعداد كبيرة من المصريين يعملون هناك يقدرون ما بين 650 ألفاً ومليون مواطن، وأعداد ليست قليلة من الليبيين للدراسة والعلاج، أو التماساً لأمان مفقود ربما يستجيرون منه ببعض أمان مصري. ويرى سياسيون مطلعون على الملف الليبي مشاكل في سيطرة مؤسسات الدولة الليبية كونها مفككة ومخترقة إجمالاً، كما أن مؤسسات الأمن هناك غير قادرة على مراقبة الحدود في شكل كافٍ، وبالتالي إمكانية تهريب أسلحة أو بشر. الحدود الواسعة وأشار السفير المصري السابق في ليبيا هاني خلاف إلى اتساع الحدود بين البلدين، وبالتالي الخشية من تسلل عناصر من المتشددين الإسلاميين الذين يحملون السلاح أو تهريب الأسلحة نفسها إلى عناصر مماثلة في مصر، داعياً إلى استحداث آليات لمراقبة هذه الحدود، إضافة إلى العنصر العسكري العادي المتمثل في سلاح الحدود، لأن تغطية حدود بهذا الطول لا تكفيها التغطية البشرية فحسب. ويؤكد خلاف في حديث مع «الحياة» أن الوضع السياسي يبدو تكراراً لما يحدث في دول الربيع العربي، فهناك كيانات منتخبة غير قادرة ولها أنصار خارج المؤتمرات والمجالس، وتضم المجالس المنتخبة نفسها شخصيات تمثل ميليشيات وعناصر مسلحة، فإذا تحرك الجيش لقيادة البلاد، فإن الميليشيات تتحرك وتقاومه. واعتبر خلاف أنه كان من الواجب على مصر وتونس والجزائر كدول جوار لليبيا أن تنقل تجاربها إلى الجانب الليبي من دون إبطاء. وقال: كان من الواجب أن ننقل تجربتنا في 30 يونيو في ملاحقة وحصار العناصر المسلحين وأن نقدم لهم الدروس المستفادة، وليس يجدي أن ننتظر الجانب المنتصر في الصراع حتى نتعاطى معه. نحن منشغلون في مصر بالاستحقاقات الانتخابية وتأمين الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني، والدولة في تونس كذلك منشغلة بالداخل، والجزائر تبذل جهوداً قوية لضبط حدودها، وكل طرف للأسف منكفئ على ذاته. ويقول إن الجماعات الإسلامية المسلحة لن تترك فرصة لتعطيل بناء الدولة إلا وتستغلها، طالما أنها (الجماعات) غير مسيطرة بالكامل. واستغرب من أن ليبيا بدأت ثورتها مع مصر في التوقيت نفسه تقريباً، واستقرت نسبيا لمدة سنة بعد مقتل القذافي، ولكن عملية الانتخابات والاستحقاقات ولجان الدستور أخذت بالاستقرار النسبي إلى المجهول، ويبدو أن الجيش سيقرر هناك، والتغييرات التي أعلنها الجيش الليبي تشبه الانقلاب على أوضاع ما بعد 17 فبراير. وقال إن ميليشيات وحركات مسلحة متناثرة بدأت الآن في مقاومة توجه الجيش ومحاولة منعه من فرض سيطرته، مثل «الإخوان» في مصر المشغولين بمقاومة الدولة. ورأى هاني خلاف تعطيلاً لكل المصالح المصرية في ليبيا، خصوصاً أن القاهرة كانت ترغب في إعادة التعاون مع ليبيا في الملفات كافة، لأن الليبيين سيمرون بمرحلة صعبة، وبالتالي تتعطل مشاريع مشتركة في مراكز البحث والعمالة والاستثمار وصيد الأسماك، ما يتطلب إنقاذ اقتصاد البلدين في وقت واحد عبر جهود مشتركة وتشغيل شركات متوقفة للبلدين هنا وهناك. ودعا إلى الاستعداد لمتابعة ما يمكن أن يجري من دعم متبادل بين المتشددين على جانبي الحدود، ولا بد من أن يتحرك المصريون نحو الوضع الجديد في ليبيا، وعلينا أن نكون أسبق من غيرنا، وعلى الديبلوماسية المصرية والأمن ورجال الاقتصاد أن يكونوا قريبين من المشهد الليبي لئلا تنفجر الحدود ونستيقظ على مشهد آلاف المصريين العائدين هاربين، أو ضحايا أو آلاف المواطنين الليبيين الهاربين إلى مصر بصفة عامة أو إلى القبائل المصاهرة على الجانب المصري من الحدود. ويصف خلاف الوضع بالسيناريوات المركبة، والتي لا يوجد لدينا تفرغ كامل لمتابعة نتائجها لأننا مشغولون للأسف في شكل كامل بسبب الاستحقاقات وتأمين البلاد من الإرهاب وليس لدينا وقت لطرح مبادرات تجاه السودان وتونس وليبيا. وأشار إلى جهود وزير الخارجية نبيل فهمي مع نظيره الليبي محمد عبدالعزيز، وأن الوضع حالياً يتطلب أكثر من هذه الجهود لأن الأزمة قد تلقي بظلال كئيبة على الاستقرار في مصر. التحرك المصري الإشكالية الراهنة وربما المتحركة هي كيفية التعاون بين الأجهزة في البلدين والوضع يتسم بالقلق على الأرض في ليبيا، وطبقاً لسياسيين مطلعين، فإن الأجهزة المناظرة في ليبيا لديها نوايا حسنة، لكن المخاوف المصرية هي أن ينفجر الوضع. ويلاحظ هؤلاء السياسيون جماعات مسلحة تسيطر على مناطق مختلفة، وبعض هذه الجماعات إسلامي، فضلاً عن مجموعات قد تكون قريبة من فكر النظام السابق، وأنه من غير المستبعد أن تؤدي المنافسة على الأرض إلى اشتباك عسكري من شأنه التأثير سلباً في مصر. وأشار سياسيون إلى جهود عربية ودولية لاحتواء الأزمة مثل تعيين ناصر القدوة مبعوثاً للأمين العام لجامعة الدول العربية في ليبيا وتعيين دول كبرى مبعوثين لها. الوزير المصري نبيل فهمي استقبل القدوة للتشاور، واجتمع مع نظيره الليبي محمد عبدالعزيز لبحث الإجراءات لمساعدة الدولة في الحفاظ على أمن الحدود والأمن الداخلي. وترى القاهرة ضرورياً بحث، وفي إطار عربي، الحل السياسي عبر حوار وطني ليبي يجري فيه التفاهم على كيفية بناء الدولة بدل الصراع والمواجهة المسلحة، وأن يتجه الليبيون إلى نظام سياسي ويمتثلون للقانون. وأكدت مصادر سياسية مطلعة ل «الحياة» أن الموقف خطير وأنه لا شك في أنه يمثل تهديداً للأمن الإقليمي، ولكنها ترى أيضاً أن الصراع المسلح في ليبيا يحول الأزمة إلى مشكلة أخرى لدول الجوار، خصوصاً مصر. ونفى السياسيون الأفكار الخاصة بالجيش المصري الحر واعتبروه «كلاماً فارغاً» فهو تعبير منسوخ من «الجيش السوري الحر» الذي تأسس بانشقاق ضباط وجنود من الجيش السوري لشعورهم بأن بشار ونظامه اختطفوا الجيش، وأنهم يضربون الشعب وأن الجيش يخدم بشار وليس الشعب. وأكد سياسيون أن استخدام التسمية نفسها غير دقيق، فلم يستخدم الجيش المصري سلاحه ضد الشعب المصري، وأن «الجيش المصري الحر» هو استحضار لحالة في سورية غير قابلة للوجود بالنسبة الى مصر.