اعتبر وزير الخارجية الليبي محمد عبدالعزيز أن «بلاده تعيش ظرفاً استثنائياً في مرحلة بناء الدولة بعد الثورة»، واصفاً الوضع الأمني الذي تعيشه ليبيا حالياً «بالوضع غير الطبيعي، وأن هناك غياباً كاملاً للجيش والشرطة المسؤولة عن أمن الدولة، والجماعات المسلحة ليست تحت السيطرة». وأبدى الوزير عبدالعزيز - في حديث الى «الحياة» - استعداد ليبيا للتعاون والتحقيق مع السعودية في شأن التسجيلات المسربة لمعمر القذافي مع مسؤولين قطريين، تحدثوا فيها عن أوضاع المملكة، وقال: «هذه التسجيلات لا نعلم من المسؤول عنها، وفي حال تلقينا طلباً من السعودية بالتحقيق في هذا الأمر فنحن مستعدون لذلك». وأثنى على تعاون الرياض مع ليبيا في ما بعد نظام القذافي، لافتاً إلى أن عودة السفير السعودي إلى بلاده أخيراً «لا تتعلق بالجانب الأمني»، كما اعترف بوجود مشكلات عدة في بلاده بجانب الأوضاع الأمنية، وهي «الإتجار بالمخدرات، وتهريب البشر والسلاح، وغيرها». وفي شأن محاكمة رموز النظام السابق، قال عبدالعزيز إن بلاده تتعهد بمحاكمة عادلة لهم، «بالنسبة إلى أحمد قذاف الدم فنحن طلبنا من مصر تسليمه، وأفادونا بأنه مصري الجنسية، وكل ما نعرفه أنه ليبي مطلوب». وهنا نص الحديث: كيف ترون العلاقات السعودية - الليبية اليوم، في ظل اهتمام الرياض بتعزيزها وتعيين سفير لدى طرابلس؟ - في ما يتعلق بالعلاقات السعودية - الليبية، أقولها بكل ثقة إن هذه العلاقات ليست تاريخية، وإنما استراتيجية على المستويات كافة، لأنه في خلال النظام السابق - نظام معمر القذافي - لم تكن العلاقات سوية، ولكن أيام النظام الملكي كانت العلاقات بين المملكتين السعودية والليبية مميزة جداً على كل المستويات، وأيضاً في إطار التناغم السياسي، وعندما اختُطفت الليبية مدة 42 عاماً كانت في البداية علاقات عادية ثم أصبحت سيئة للغاية، ونحن الآن مع المملكة، وهذا التزام من الجانبين وإرادة سياسية منهما، فتحنا صفحة جديدة في علاقات البلدين. فعلى المستوى السياسي، هناك تنسيق سياسي متكامل في ما يتعلق بالقضايا ذات الاهتمام المشترك، بخاصة عندما نتحدث عن القضية الفلسطينية أو السورية أو السودان وغيرها من التي تهم المنطقة ونكون متفقين حولها، وعندما ترأسنا مجلس الجامعة العربية العام الماضي كان هناك تواصل بيننا في الاجتماعات الإقليمية والسياسية تحت مظلة الجامعة وعلى المستوى الاقتصادي، وقدمنا الكثير من الاقتراحات، وكذلك السعودية، وهناك بعض الاتفاقات بيننا تتعلق بالمجالات الثقافية والتعليمية والاقتصادية، وغيرها في المجال الاستثماري ما زالت تُدرس. وفي ما يتعلق بمجال التعاون في مكافحة الإرهاب، وهي عملية مهمة جداًً، ويرجع إلى تاريخ قديم، لأن ارتباطي بالمملكة بدأ منذ ثلاثة عقود تقريباً، وتحديداً عندما كنت أعمل تحت إطار الأممالمتحدة، إذ عملت مع المملكة عام 82، وكنت قريباً من تطور منهج المملكة في مكافحة الإرهاب، وكيف تدرّجت ووصلت هذه الرؤية إلى مثال رائع لدول أخرى في مكافحة الإرهاب، لأن غالبية الدول كانت تركز على الأسلوب القمعي في الدرجة الأولى لمكافحة الإرهاب، ولكن المملكة طوّرت منهج مكافحة الإرهاب في إطار كفاحي وأمني فكري ونفسي، ونجحت ولا تزال تحقق النجاحات في هذا المجال. ورأينا مبادرات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الكثيرة التي قدمها الى مجلس الأممالمتحدة، وآخرها اقتراح المجتمع الدولي الكثير من الهياكل، بما فيها المركز الخاص لمكافحة الإرهاب، وجهودها الأخرى المتعلقة بالتسامح وحوار الحضارات. لم يكن هناك بطء أو تردد من ناحية الرياض في إقامة العلاقات بعد سقوط نظام القذافي مباشرة. - على العكس تماماً، في السابق قمنا بزيارة المملكة ثلاث زيارات رسمية مع رئيس المؤتمر الوطني محمد المقيرف، والتقينا أعضاء الحكومة السعودية، وكان هناك تجاوب، وكان الملك يقول: «ليبيا هي السعودية»، بمعنى أنه أصبح ليس هناك انفتاح فقط، وإنما إرادة تامة بإقامة العلاقات وتطويرها. الفوضى الأمنية اليوم في ليبيا، كيف تنظرون إلى خطورتها، في ظل الإفراج عن السفير الأردني المخطوف وعودة السفير السعودي إلى المملكة؟ - لا أعتقد أن عودة السفير السعودي كان الجانب الأمني سبباً أساسياً فيها، لأن السفير على وعي بتميز العلاقات مع ليبيا، وزياراته تأتي للتشاور في المملكة في مواضيع خاصة، وليس للبُعد الأمني دور في ذلك. وكما تعرف الانتقال من مرحلة الثورة إلى بناء الدولة عملية ليست سهلة إطلاقاً، ونحن نعيش ظرفاً استثنائياً جداً، بخاصة ما بعد الحرب التي خضناها لتحرير البلاد، وفي غياب الجيش والشرطة، وهي الأجهزة الأمنية المسؤولة عن الأمن في البلد، فبطبيعة الحال أن تحصل مثل هذه المشكلات، بخاصة أن تكون هناك مجموعات مسلحة ليست تحت سيطرة الدولة، بمعنى أنه خلال العامين الماضيين هناك آلاف من السجناء الليبيين المجرمين باحترافية خرجوا من السجون، والكثيرون منهم لبسوا زي الثوار وأصبحوا كذلك وارتكبوا الجرائم. وهذه من أخطاء الثورة...؟ - طبعاً، ولكن هي من الأمور التي ترتبت على تحرير ليبيا ودفعنا ثمنها بوجود السلاح، إضافة إلى ذلك هناك مجموعات متطرفة بدأت تنمو في البلاد، ولديها معتقدات خطرة وتتحالف مع مجموعات أخرى، سواء أكانت داخلية أم في دول الجوار، وبالتالي ينتج منها نوع من العنف والخطف والجريمة، وبناء الدولة يحتاج إلى بناء المؤسسات الأمنية في الدرجة الأولى، لأن بغياب الأمن لا يمكن أن يكون هناك استثمار أو بناء دولة حقيقية، أو نظام عدالة جنائية فاعل لحماية الإنسان والحريات. من يغذي الجماعات؟ هل لمستم من يغذي الجماعات المسلحة في البلاد؟ - الفوضى لا تدار من الدولة، ومن الصعوبة أن تتهم دولة بعينها، وعادة الدول لها مصالح، ومصالح بعض الدول تتمنى في أن تكون ليبيا دولة القانون، ودول أخرى لها علاقات بالأحزاب تتمنى أن تكون المجموعات في حكم ليبيا، ونحن بصراحة لدينا بعض الأحزاب ترفع راية الحزب لا راية الوطن مع كل أسف، ولها علاقات بدول معينة وهي التي تدعمها، وكل الأحزاب يجب أن ترفع راية الوطن فقط، ونحن في ليبيا مجتمع وسطي ومتناسق، ولدينا مرجعية الحركة السنوسية، وهي حركة بدأت دعوية وسطية، وكان لها تأثير في أفريقيا والخليج العربي، وكانت ضد الاستعمار وكافحت الاستعمار الإيطالي والوجود البريطاني، وتطورت حتى أصبحت قادرة على بناء دولة عصرية، بدستور ومحكمة ومجلس برلمان، ولكن هذه المملكة اختُطفت 42 عاماً، وأصبحنا في فراغ من دون دستور كل هذه المدة، وبناء الدولة من جديد يحتاج إلى وقت. فبحاجتنا إلى البُعد المؤسسي، فإننا نحتاج أيضاً إلى العنصر البشري لبناء القدرات. هل لديكم وضع زماني لإعادة ليبيا إلى الاستقرار؟ - أولاً هناك شرطان أساسيان يجب تحققهما، وهما أن النخب السياسية في ليبيا تكون على توافق سياسي وتصالح، لأن المصالحة الوطنية أساسية والحوار الوطني قضية أساسية، إضافة إلى الدعم الدولي والإقليمي، ومن غير الدعم لليبيا في هذه المرحلة بالذات لا يمكن أن نجتازها بكل سهولة. تدريب الجيش والشرطة والقضاة على أساس المحكمة، فالحكم العادل يحتاج إلى الأدوات، والأدوات ليست موجودة بالمستوى الصحيح في ليبيا حالياً، ولا بد من أن يكون هناك نظام عدالة، ولجان تحقيق متدربة ومحامون متدربون وسجون حضارية تحترم فيها حقوق السجناء وحرياتهم، وعندما نصل إلى هذه الدرجة نستطيع أن نقول إننا نبدأ في مرحلة بناء الدولة. كان هناك حديث لتمرين السعودية عدداً من القوات الليبية؟ - سبق أن طلبنا من المملكة بحيث توفر لدينا تمريناً في ما يتعلق بالجيش والشرطة، والمملكة أبدت استعدادها في تمرين أعداد معينة من قواتنا، ونحن على استعدادنا في حال موافقة المملكة رسمياً، فنحن جاهزون وعلاقتنا باب مفتوح مع السعودية. وسائل الإعلام تتداول تسجيلات مسرّبة لمعمر القذافي مع مسؤولين قطريين يتحدثون فيها عن المملكة، هل لديكم علم بهذه التسريبات، وإن كنتم أجريتم تحقيقاً حولها؟ - أكون صادقاً معك، لا يمكن الحكم على الشيء من دون تريث وحكمة وبحث، وهذه المعلومات التي تم تسريبها لا نعلم من المسؤول عنها، ولا يوجد مسؤول يمكن أن يقول إن هذا هو المسؤول عن ذلك، ولكن في حال تلقينا طلباً من المملكة بالتحقيق في ذلك فنحن مستعدون للتعاون، ولكن الحكم على الشيء من دون معلومات أكيدة أمر صعب. إذاً، لا وجود للجنة داخلية لمتابعة ذلك؟ - الآن لدينا جهاز المخابرات العامة وجهاز التحقيق، ولكن لا أستطيع أن أقول لك إن كان هناك تحقيق في هذه القضية أم لا. في ليبيا، يتردد أن محاكمات رموز القذافي تسير ببطء، كيف تعلّق على ذلك؟ - بالنسبة إلى المحاكمات فنحن سعيدون بها، وبالنسبة إلى الرؤوس فتم الاتفاق مع المحكمة الجنائية الدولية على أن من حق ليبيا أن تحاكم رموز النظام الكبار في ليبيا، ونحن على تواصل مع المحكمة بحيث تكون مجريات المحكمة نزيهة وعادلة، وهذا ما نسير عليه، وليس هذا طلباً فقط على مستوى الحكومة أو التشريع، وإنما مطلب شعبي حقيقي. والحقيقة أن هناك بعض التأخير في المحاكمات، لأن بعض العناصر المرتبطة معهم لم يتم القبض عليها، ما تسبب في التأخير. عن أحمد قذاف الدم وماذا عن أحمد قذاف الدم؟ - قذاف الدم قضيته واضحة، وسبق أن اتصلنا بالجانب المصري في ما يتعلق بتسليمه، وقدمنا ملفاً خاصاً لهم بالتسليم، وهذا الرجل في فترة معينة ارتكب مشكلة في مصر، وأطلق الرصاص بمناسبة معينة، وتم سجنه وأعيد إطلاق سراحه، ونحن لا نزال على تواصل مع الحكومة المصرية في هذا الأمر، ولدينا تعاون قضائي معها، ونتمنى أن تتفهم الحكومة المصرية أن تسليمه جزء لا يتجزأ من تعزيز التعاون بين الدولتين الشقيقتين. وطلبنا من مجلس الأمن بصفة عامة أن تتعاون الدول معنا بالتعاون القضائي وتسليم المطلوبين الليبيين الذين ارتكبوا الجرائم لنا. لكن مصر تنظر إلى أن قذاف الدم مصري الجنسية؟ - الجانب المصري ذكر لنا أنه يحمل الجنسية المصرية، ولكن نحن كل ما نعرفه أنه ليبي ومطلوب لدينا. هل هذا أيام الرئيس مرسي؟ - لا، بعد أيام محاكمته. مسألة الحدود وضبطها مع مصر، كيف تعملون عليها في ظل الظروف الصعبة لديكم؟ - الوضع في ليبيا غير طبيعي وكذلك في مصر، واهتمام مصر وليبيا بالمسألة الحدودية قضية مصيرية للبلدين، ونحن على تواصل ليس مع مصر فقط، وإنما مع كل دول الجوار، وكان لدينا في 2012 مؤتمر خاص بالحدود، جمع وزراء الدفاع والداخلية والأجهزة الأمنية المتعلقة بالحدود في ليبيا والدول المجاورة لها، وتبعه مؤتمر آخر في الرباط شدد على خطة طرابلس في التعامل المعلوماتي، وأنه شيء أساس، ونحن لدينا إدارة جاهزة لتنفيذ إعلان الرباط، بخاصة في ما يتعلق بإنشاء مركز لأمن الحدود، وفي المؤتمر نفسه تكرمت مصر بأن نستضيف الاجتماع الوزاري الثالث هذا العام. والحقيقة أن لدينا مشكلات بالهجرة غير المشروعة وتهريب البشر والسلاح والمخدرات، وهذا يؤثر في ليبيا ودول الجوار كلها، وأمن الحدود لا يمكن أن يتم من طرف واحد، وإلا كيف يمكن ليبيا أن تتمكن من حماية حدودها من دون وجود عناصر بشرية وآليات تقنية. الدعم الدولي في هذه المرحلة لليبيا، ما تقويمكم له؟ - بصراحة الدعم الدولي سواء أكان من الدول الصديقة أم الشقيقة فاعل وموجود، ولكن لدينا مشكلة في عدم قدرتنا على استيعاب هذا الدعم، فإنه في غياب المؤسسات من الصعب أن نستوعب الكثير من الدعم الدولي، يجب أن يكون هناك تنسيق وتوزيع للأدوار للدول في دعم ليبيا، بحيث يتخصص بعضها في بناء الشرطة وأخرى للجيش، ودول تتخصص في بناء المؤسسات... وهكذا. هناك من طالب «إخوان مصر» بالانتقال إلى ليبيا بعد التضييق عليهم وتجريمهم في مصر، هل من الممكن أن تصبح ليبيا حاضنة لهم؟ - بالنسبة إلينا في ما يتعلق بتجريم «الإخوان»، سواء أكان في مصر أم في دول الخليج العربي، فنحن ليست لدينا ثقافة «الإخوان المسلمين» تاريخياً، ففي نهاية الثمانينات من القرن الماضي دخلت بعض عناصرهم إلى ليبيا بصفتهم مدرّسين وموظفين، ولم تكن فكراً، وخلال نظام المملكة ومعمر لم تكن لديهم أيديولوجيا، لأنه معروف لدينا «من تحزّب خان»، ولكن الآن بحكم الانفتاح والمسار الديموقراطي هناك حاجة إلى وجود أحزاب سياسية، فنحن لم نصل إلى مرحلة النضج بأن نصنّف هذا من «الإخوان» أو «التحرير» أو غيره، وبالتالي نحن على استعداد للتعاون، بخاصة في البُعد الأمني والاستخباري مع أية دولة، فالعالم أصبح مفتوحاً الآن. ومثلما تنتقل رموز «الإخوان» وعناصرهم من مصر إلى دول أوروبية، فإننا لا ننكر أن تكون هناك عناصر في ليبيا من «الإخوان»، ولكن يهمنا التعاون في المجال الاستخباري، وأنه إذا كان هناك تعاون وارتكبوا مخالفات، فإن من الممكن أن نتعاون معهم في ذلك.