أصحاب المحلات التجارية يشكون منذ اندلاع الثورة المصرية من حالة الركود الشديد الذي أصاب حركة البيع والشراء، وهو ركود لم يستثن أياً من القطاعات الحيوية، بما في ذلك الأغذية والمشروبات. وعلى رغم ذلك فإن قطاعاً واحداً يشهد انتعاشاً غير مسبوق خرج هو الآخر من رحم الثورة شأنه شأن تحالفات شباب التحرير، ومجموعات ثوار التغيير، وائتلافات دعاة التعديل. فقد غزت أرجاء المحافظات المصرية، لا سيما تلك التي شهدت الفعاليات الثورية الرئيسة تجارة هامشية لكنها باتت حيوية في كل ركن وشارع، هي تجارة الثورة. عشرات السلع والمنتجات والمصنوعات تلقى إقبالاً غير مسبوق هذه الأيام من الجميع ولا يجمع بينها إلا كونها تتصل بالثورة. فما هي إلا ساعات بعد التحقق من نجاح ثورة يوم 25 كانون الثاني (يناير) حتى سارع تجار الأعلام إلى إخراج ما لديهم من مخزون كان معظمه يعرض للبيع في مواسم المباريات الكروية التي يواجه فيها المنتخب المصري فرقاً أجنبية أو عربية. وبحس أصحاب تلك المخازن السياسي والاقتصادي المرهف، ضخت كميات هائلة من الأعلام بأشكال وأحجام مختلفة. فهناك عمارات سكنية اشترك سكانها في شراء أعلام ضخمة بطول المبنى للإعلان عن تضامنهم مع الثورة. ومنهم من جعل التضامن أكثر تخصيصاً، فاتفق مع خطاطين على كتابة عبارات مثل «شعب مصر يشكر رجال الجيش الشرفاء» أو «مصر الجديدة». ولأن الأعلام هي شكل واضح وصريح من أشكال التعبير عن الوطنية، فقد تفنن أصحاب المطابع في الدق على هذه الأوتار. وبالطبع ليست هناك سخونة أكثر من الحزن على من فقدوا حياتهم في الثورة. ملصقات ضخمة وأخرى صغيرة وثالثة متوسطة تباع في كل مكان تحمل عدداً من صور الشهداء وأسمائهم. كما تباع ملصقات على شكل أرقام لوحات السيارات ومكتوب عليها 25 يناير، وهي الملصقات التي حققت رواجاً منقطع النظير، ووجدت طريقها إلى السيارات الملاكي والأجرة وحتى الباصات العامة. وبالغ البعض في وطنيته، فقرر أن يلصقها على لوحة أرقام السيارة الأصلية، فاختلطت الوطنية بالعشوائية وشجع عليها غياب رجال المرور الذين توكل إليهم عادة مهام تحرير المخالفات المرورية. مهام أخرى أخذها آخرون على عاتقهم في أعقاب الثورة وهي التعبير عن فرحتهم بإسقاط النظام من خلال حملات تنظيف تطوعية لشوارع المدن، لا سيما القاهرة والإسكندرية والسويس. فبعد سنوات من معاناة المواطنين مع تلال القمامة التي ملأت الشوارع الرئيسة والفرعية، قررت مجموعات من الشباب والفتيات القيام بحملات لتنظيف الشوارع التي يقطنون فيها، وهو ما تطلب شراء أعداد ضخمة من المقشات والكمامات. وشهدت محلات بيع أدوات التنظيف إقبالاً غير عادي، لا سيما مع استمرار إغلاق جانب كبير من الجامعات والمدارس، وشعور الطلاب بالرغبة في المشاركة في الثورة، ولو بطريقة رمزية. وتواكب شراء المقشات لكنس الشوارع واختيار البعض الآخر من المتطوعين لدهان الأرصفة والأسوار الحديدية في الميادين، لا سيما الرئيسية مثل التحرير. كميات هائلة من الدهانات البيضاء والسوداء لدهان الأرصفة والخضراء للأسوار يتم شراؤها، سواء بأموال تبرعات المواطنين أو تلك التي يجمعها الشباب من بعضهم بعضاً. ولأن رائحة الدهان تكون نفاذة، ولمسها قد يسبب الحساسية، فقد شهدت الصيدليات كذلك إقبالاً كبيراً لشراء الكمامات الطبية والقفازات البلاستيكية. تجارة الثورة ليست كلها وقتية أو ورقية، فهناك من اختار أن يخلدها لوقت أطول ويتربح منها كذلك في شكل أكبر. فقد ظهرت في محلات بيع الفضة حلي ملونة بألوان العلم الأحمر والأبيض والأسود. وبالطبع لم يفت على باعة ال «تي شيرت» طباعة عبارات الثورة عليها وبيعها في المحلات ومن خلال الباعة الجائلين. وتشهد هذه التجارة رواجاً لافتاً في ميدان التحرير الذي يتردد عليه بعض الأجانب بغرض زيارة موقع الثورة الرئيسي. وعلى رغم الانتهاء النظري من فعاليات الثورة بتنحي الرئيس مبارك، إلا أن إصرار البعض على الاستمرار في الاعتصام، سواء في ميدان التحرير للمطالبة بتحقيق بقية المطالب مثل تشكيل مجلس رئاسي، وسن دستور جديد، وغيرهما، أو في ميدان مصطفى محمود للمطالبة بترشيح رئيس الوزراء المستقيل الفريق أحمد شفيق للرئاسة أدى إلى رواج تجارة الخيام البلاستيكية الصغيرة. وهناك من السلع ما راجت تجارته أيضاً بفعل الثورة ولكن لأسباب لا تتعلق بالاحتفال أو بالاعتصام. فقد شهدت تجارة الحديد كذلك رواجاً كبيراً تحت ضغط الغياب الأمني والتخوف من تعرض العمارات السكنية والمنشآت للتخريب والسرقة، وهرع كثيرون إلى تامين النوافذ والأبواب بقضبان حديدية كتلك التي يقبع خلفها ملك الحديد أمين التنظيم السابق في الحزب الوطني الديموقراطي السابق المهندس أحمد عز.