تأثر أداء الاقتصادات العربية بعوامل رئيسة عدة، في مقدمها التطورات في أسواق النفط، وتدابير ضبط الأوضاع المالية العامة على مستويات الطلب الكلي، ما أدى إلى خفض توقعات النمو للدول العربية كمجموعة إلى نحو 1.9 في المئة هذه السنة، وفقاً لتقرير «صندوق النقد العربي» الذي صدر أمس، بعنوان «آفاق الاقتصاد العربي». وتوقع التقرير حدوث تعاف نسبي للنشاط الاقتصادي في البلدان العربية المُصدرة للنفط، ما يساعد على رفع معدلات النمو في الدول العربية ككل إلى 2.9 في المئة. ولفت التقرير إلى أن الدول العربية المستوردة للنفط ستحقق نمواً مرتفع الوتيرة مستفيدة من التعافي التدريجي للنشاط الاقتصادي العالمي والأثر الإيجابي لبعض الإصلاحات الاقتصادية التي يجري تنفيذها، لافتاً إلى أن النمو المتوقع في دول المجموعة سيبلغ 3.7 في المئة هذه السنة، مقارنة بنحو 2.7 في المئة عام 2016. مع التحسن في 2018 إلى نحو 4 في المئة. وفي الشأن النفطي، لفت التقرير إلى أن الدلائل في أسواق النفط الدولية تشير إلى أن استعادة التوازن ما بين مستويات العرض والطلب تحتاج إلى وقت أطول نسبياً مما كان متوقعاً في بداية السنة، وتواجه بالمزيد من التحديات على ضوء الزيادة الملموسة في مستويات الإنتاج من النفط الصخري، لافتا الى أن هذا الأمر سوف يحد من الارتفاعات السعرية الممكن تحقيقها خلال عامي 2017 و2018، وقد يُبقي على المخزون النفطي فوق مستوياته التاريخية المسجلة خلال خمس سنوات لوقت أطول. وخفض الصندوق من توقعاته لمتوسط الأسعار العالمية للنفط من 55 دولاراً للبرميل إلى ما يتراوح بين 50-52 دولاراً للبرميل هذه السنة، وإلى 52-54 دولاراً خلال العام المقبل مع افتراض استمرار تعافي النشاط الاقتصادي العالمي، والتجارة الدولية، وتحقيق مستوى التزام جيد من الدول المنتجة للنفط باتفاق خفض كميات الإنتاج. وأشار إلى أن من المتوقع تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة في غالبية الدول العربية النفطية خلال السنة، على ضوء اتفاق خفض الإنتاج، الذي سينتج عنه تراجع الناتج في القطاعات النفطية في البلدان العربية المُصدرة للنفط. من جانب آخر، سيتواصل تأثر القطاعات غير النفطية في هذه البلدان بتدابير ضبط أوضاع المالية العامة في ظل الارتفاع النسبي لمستوى العجز في الموازنات العامة الذي ارتفعت نسبته إلى الناتج المحلي في دول المجموعة ليصل إلى 10.5 في المئة عام 2016. ويتوقع التقرير على صعيد الدول العربية المستوردة للنفط، أن تؤثر الإصلاحات الاقتصادية التي يتم تنفيذها في إطار برامج الإصلاح الاقتصادي المدعومة بتسهيلات مُقدمة من مؤسسات إقليمية ودولية، في مستويات القوة الشرائية ومن ثم الطلب الكلي خلال السنة، بيد أن بعضها الآخر، لا سيما ذلك المتعلق بإصلاحات زيادة مستويات مرونة أسعار الصرف سوف يعمل على زيادة الصادرات والاستثمارات بما يدعم نسبياً الطلب الكلي في هذه البلدان. وأشار إلى ارتفاع معدلات التضخم في الدول العربية إلى 15 في المئة خلال السنة، وأن ينخفض إلى 10.3 في المئة خلال العام المقبل، مشيراً إلى أن معدل التضخم في الدول العربية كمجموعة من دون مصر والسودان سيبلغ نحو 5.2 في المئة خلال السنة، ونحو 5.8 في المئة خلال عام 2018. وفي ما يتعلق بالدول العربية المصدرة للنفط، توقع أن يسجل معدل التضخم في دول المجموعة خلال السنة، المستوى ذاته الذي سجله في العام السابق عند 6.6 في المئة، ليرتفع في 2018 إلى 7.6 في المئة. ولفت التقرير إلى ظهور بوادر تنم عن التعافي النسبي للنشاط الاقتصادي العالمي خلال النصف الأول من السنة، على ضوء تحسن أداء قطاع الصناعة وارتفاع مستويات الاستثمار والتجارة الدولية بما ساعد على تعزز الثقة في آفاق النمو الاقتصادي العالمي. وشمل التحسن الاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء. إذ وجد النشاط الاقتصادي في الدول المتقدمة دعماً بفعل تحسن الطلب الكلي نتيجة ارتفاع مستويات الاستثمار والصادرات. فيما شهدت مؤشرات الأداء الاقتصادي في الدول النامية واقتصادات السوق الناشئة تعافياً ناتجاً عن عوامل عدة من أهمها الارتفاع النسبي لأسعار السلع الأولية وتحسن الطلب الخارجي وبدء انحسار تأثير تدابير تقييد أوضاع المالية العامة التي تم تبنيها خلال السنوات السابقة لتحقيق الانضباط المالي. وأكد التقرير أن التعافي لا يزال هشاً وغير قابل للاستدامة في الكثير من البلدان نتيجة انخفاض معدلات نمو الإنتاجية. كما يحيط بهذا التعافي الاقتصادي مقدار لا يستهان به من الأخطار في الأجل المتوسط، لعل أبرزها ارتفاع مستويات الضبابية في شأن مسارات السياسات الاقتصادية في البلدان المتقدمة، وتزايد الاتجاه نحو السياسات الحمائية والتداعيات القومية والانفصالية، وانخفاض مستويات الناتج الممكن الوصول إليها، إضافة إلى احتمالات حدوث تقلبات في الأسواق المالية العالمية في حال تبني مسار سريع وغير متوقع لرفع أسعار الفائدة الأميركية.