بنثر الورود والرز وإطلاق الزغاريد والتصفيق استقبل من انتظر في خيمة الاعتصام- الرمز في قلب بيروت، الموكب الذي يقل النعوش البيض لشهداء الجيش اللبناني الذين قتلهم مسلحو تنظيم «داعش» ظلماً بعد أسرهم قبل 3 سنوات وشهر، وباتت قضيتهم محور تحقيق يجريه القضاء اللبناني لمحاسبة المسؤولين عما حصل لهم. والجنازة الرسمية التي أقيمت لوداع الشهداء في باحة وزارة الدفاع، انفجرت هنا في الساحة بكاء وصراخاً. راحت نسوة متشحات بالسواد يعترضن الموكب ويصرخن: «يا محمد قوم»، «الله على الظالم يا حسين»، و «يا ضيعانكن يا أمي». وصرخ الرجال والدموع تنهمر على وجوههم «الله أكبر». العناصر والضباط الذين يؤدون واجبهم في محيط ساحة رياض الصلح اصطفوا بدورهم في مواجهة الموكب العابر وادوا له التحية. والسيارات التي أقلت نعوش ستة شهداء طلب أهاليهم أن يمروا بهم أمام الخيمة لوداع أخير، حملت معها الأهل وبدت الوجوه من خلال النوافذ، صامتة والعيون دامعة والرؤوس مرفوعة. ولخص حسين يوسف والد الشهيد محمد والناطق باسم أهالي العسكريين المشهد ب «أنها لحظة كرامة». وكانت عائلات 4 شهداء رفضت عبور النعوش أمام الخيمة لغضبها من «تعامل رئيس الحكومة مع ملف العسكريين المخطوفين». وهي عائلات: عباس مدلج وعلي الحاج حسن وعلي المصري ومصطفى وهبي. مستقبلو الموكب كانوا من أهالي الأسرى الذين كانوا حرروا من «جبهة النصرة»، ومن عدد قليل من المتضامنين وبينهم عناصر من الدفاع المدني كانوا واكبوا قضية العسكريين من خلال مجاورة أهاليهم في اعتصام مطلبي في الساحة نفسها. وإذا كان عدد المودعين صدم الإعلاميين على اعتبار أن ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي من دعوات إلى الحشد في وداع العسكريين الشهداء لم يترجم في ساحة رياض الصلح، فإن بحوراً من البشر كانت في استقبال الشهداء على الطرق إلى قراهم في عكار والبقاع والشوف وفي باحات بلداتهم القلمون، وفنيدق ومزرعة الشوف والضنية واللبوة وأنصار البقاعية وشمسطار وحورتعلا ومدوخا. أنزلت النعوش الملفوفة بالعلم اللبناني أكثر من مرة من سيارات الإسعاف وحملت على الأكف وجرى ترقيصها في كل محطة من محطات العبور إلى القرى والبلدات وقرعت أجراس الكنائس ورفعت لافتات تحيي الشهداء بأسمائهم وأطلق رصاص في الهواء على رغم دعوات الأهل إلى الامتناع عن ذلك، واصيب ثلاثة اشخاص بالرصاص الطائش في العبدة حالة اثنين منهم حرجة، واحدهم ابن عم الشهيد حسين عمار. وهتف المستقبلون «لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله»، وامتزجت الأعلام اللبنانية المرفوعة برايات الجيش اللبناني والرايات السود. وفرش الأهل السجاد الأحمر ل «العرسان» وزينوا المنازل بالزهور البيض... وبدا أن الحزن وحد اللبنانيين في دمعة واحدة.