أحدثت التفاهمات الأخيرة بين رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في قطاع غزة يحيى السنوار والقيادي المفصول من حركة «فتح» النائب محمد دحلان شرخاً في حركة «حماس»، وتركت أثراً على تحالفاتها الإقليمية. وقالت مصادر في «حماس» ل «الحياة» إن رئيس المكتب السياسي السابق لحركة «حماس» خالد مشعل المقيم في العاصمة القطرية، يعارض هذه التفاهمات بشدة. وأوضحت أن تياراً واسعاً في الحركة، يضم قياديين مقيمين في الدوحة، ومعهم بعض قياديي الحركة في الضفة الغربيةالمحتلة، يعارضون هذه التفاهمات، ويعتقدون أنها تلحق ضرراً بتحالفاتهم الإقليمية. وذكرت المصادر أن تركياوقطر عبرتا عن انزعاجهما من هذه التفاهمات، وأوضحت أن «قطر اعتبرت هذه التفاهمات وسيلة من الإمارات للالتفاف على دورها في قطاع غزة، والحلول محلها من خلال توفير دعم مالي للتحالف الجديد بين السنوار ودحلان». وأضافت أن «الدوحة سجلت اعتراضها على هذه التفاهمات لدى قيادات الحركة في قطر، وجمدت الدعم المالي للحركة». وعبر عدد من معارضي التفاهمات في حركة «حماس» عن الخشية من أن تؤدي الى عزل قطاع غزة، وانفصاله تدريجياً عن الضفة الغربية. وقال مسؤول رفيع في الحركة، مقيم في الضفة الغربية فضل عدم ذكر اسمه، ل «الحياة» إن «هذه التفاهمات تثير القلق لأنها، أولاً، تعطي دولة الإمارات ومحمد دحلان (الذي يرأس «التيار الإصلاحي» في حركة «فتح»)، موطئ قدم في غزة، وثانياً لأنها تؤدي الى منح غزة صفة خاصة مختلفة عن باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتثير القلق من حدوث انزياح تدريجي للقطاع خارج منظومة الأراضي الفلسطينية». وأضاف أنه والعديد من قيادات الحركة يدركون نوايا إسرائيل الرامية الى التخلص من قطاع غزة والتفرد بالضفة الغربية، لافتاً الى أن تفاهمات من هذا النوع ستؤدي الى خدمة الأغراض الإسرائيلية، من حيث لا يحتسب قادة الحركة في غزة. وقال: «تلقينا في الماضي عروضاً إسرائيلية، غير مباشرة، لإقامة مطار وميناء في غزة مقابل وقف تطوير السلاح، لكننا رفضنا، أولاً، لأننا حركة مقاومة، وثانياً، لأننا ندرك اهداف إسرائيل الرامية الى فصل قطاع غزة كلياً عن الضفة الغربية، وتالياً التفرد في الضفة الغربية وتهويد أكثر من نصف مساحتها بما فيها القدسالشرقية، ومنح سكان الضفة حكماً ذاتياً». وأحدثت نتائج الانتخابات الأخيرة في حركة «حماس» تحولاً لافتاً في مواقع مراكز القوى في «حماس» وفي مواقفها، حيث انتقل مركز ثقل القرار من قيادة الحركة المقيمة في العاصمة القطرية الى قطاع غزة. وفاز يحيى السنوار بموقع رئيس المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة، فيما فاز اسماعيل هنية بمنصب رئيس المكتب السياسي العام، وكلاهما مقيمان في غزة. وهذه المرة الأولى التي تتركز فيها قيادة حركة «حماس» في قطاع غزة، حيث دأبت الحركة على اختيار رئيس لمكتبها السياسي في الخارج لتسهيل حركته وتجنب تعرضة للملاحقة من إسرائيل. وتقول مصادر في الحركة إن يحيى السنوار هو القائد الفعلي للحركة، وانه صاحب القرار الأول فيها، مشيرة الى تأثيره في الجناحين السياسي والعسكري في الحركة. وتضيف أن السنوار اتخذ القرار الأخير في شأن التفاهمات مع دحلان ومع مصر قبل أن يعود الى المكتب السياسي، الأمر الذي أثار اعتراض القيادة القديمة المقيمة في الدوحة والتي لها تأثير في أوساط في الحركة، وخصوصاً على قيادتها المقيمة في الشتات والضفة الغربية. ويقول المقربون من السنوار إنه اتخذ هذه القرارات بتأثير من الإجراءات غير المسبوقة التي اتخذتها السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، والتي شملت تقليصاً واسعاً في الخدمات المقدمة للقطاع، وانه يرى في هذه التفاهمات منفذاً لفك الحصار عن القطاع المتواصل منذ اكثر من عشر سنوات. وقال أحد المقربين من السنوار ل «الحياة» إن «رئيس المكتب السياسي لحماس في غزة حدد أولوياته في، أولاً، رفع الحصار عن القطاع، وثانياً حل المشكلات العالقة بين الحركة وأطراف فلسطينية وعربية وإسلامية». وأضاف أن «السنوار يرى أن أولويته الأولى إنهاء الخصومة مع مصر ودحلان والسلطة الفلسطينية، وإعادة الدعم العربي والإسلامي لحركة حماس من دون أي قيود أو شروط». وتابع المصدر أن «التفاهمات مع مصر تهدف الى فتح المعبر الوحيد لقطاع غزة مع العالم الخارجي، فيما تهدف التفاهمات مع دحلان الى المصالحة في غزة، وتوفير دعم عربي لأهل غزة هم بأمس الحاجة اليه». وظهرت الخلافات داخل «حماس» الى السطح أخيراً، عندما زار وفد من قيادة الحركة في الضفة الغربية الرئيس محمود عباس، وتوصل الى بعض التفاهمات معه، منها إعادة رواتب أسرى محررين من الحركة. وأثارت الزيارة اعتراضاً من جانب قيادة الحركة في غزة. وقام خالد مشعل بزيارة أخيراً الى العاصمة التركية، بهدف إصلاح العلاقات التي تضررت بين الحركة وانقرة عقب التفاهمات مع دحلان. وتعتبر انقرة دحلان إحدى أذرع الحرب على الحركات الاسلامية في المنطقة. وفي غضون ذلك، استأنفت ايران دعمها المالي لحركة «حماس» منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات الداخلية في الحركة في نيسان (ابريل) الماضي. وكانت ايران أوقفت الدعم المالي لحركة «حماس» عقب انسحاب قيادة الحركة من العاصمة السورية، وانتقالها الى الدوحة في العام 2011. وأكد السنوار في لقاء أخير مع الصحافيين في قطاع غزة استئناف ايران دعمها المالي للحركة. وقالت مصادر في «حماس» إن الدعم الماليالايراني لحركة «حماس» قبل العام 2011، كان يبلغ نحو 150 مليون دولار في العام. وأضافت ان «ايران استأنفت دعمها المالي للحركة لكن ليس كما كان قائماً قبل العام 2011، لأن لدى طهران التزامات مالية جديدة في المنطقة، وانما بنسبة مقبولة». وعلى رغم شدة الخلافات في حركة «حماس» حول التفاهمات الجديدة مع دحلان، إلا أن المسؤولين في الحركة يستبعدون كلياً حدوث أي انشقاق. وقال مسؤول في الحركة معارض للتفاهمات: «في النهاية نحن حركة سياسية، لديها مؤسسات، ونحن نحتكم الى المؤسسات». ولفت الى أن «الانتخابات أفرزت قيادة لديها توجهات مختلفة، وبعد أقل من أربع سنوات سيكون لدينا انتخابات وسيكون لدينا قيادة جديدة».