عاش 21 سنة حياة هي أسوأ من الموت، لم يعرف فيها أباً أو أماً، ولا صديقاً مؤنساً، ولم يسكن فيها بيتاً أو يأكل طعاماً طازجاً، فكل معاني التشرد تمثلت في حال محمد الصنعاني، الذي عاش متنقلاً ما بين المقابر والمساجد، ليتحين لحظات سكون تسلمه إلى النوم وما بين القمامات وفضلات الأطعمة ليأكل مايسد جوعه، فمنذ أن تركه والداه أمام احد المستشفيات، وهو في رحلة معاناته بحثاً عن الحنان والاحتواء في محافظة بيش في منطقة جازان، ولما لم يبادره أحد بشيء انتقل إلى محافظة صبيا، ثم إلى مدينة أبها في منطقة عسير، ليعود متشرداً كما بدأ في بيش. وذكرت المسنة هدية التي رعته لفترة أن والده هرب إلى اليمن، فيما توفيت والدته بعد رحيلها إلى جدة، مشيرة إلى أن ولادته كانت طبيعية، ولكن والديه تركاه في العراء، فقامت أسر عدة بتربيته. وقال العم معيوف من سكان محافظة بيش: «أعرفه منذ ولادته، إذ وجد أمام مستشفى جازان». ولفت محمد صاحب ال21 عاماً أن مكان سكنه الحالي هو المقابر والمساجد والشوارع والأرصفة، وأنه يشاهد المقابر تتكسر جراء عوامل الطبيعة، وقال: «أسمع في الليل وقبل صلاة الفجر أصواتاً تصرخ، وأشعر بريح سريعة تقشعر لها جسدي كلما مرت أمامي، قيل لي بعدها انها جان»، مشيراً إلى أنها غير مؤذية، لكنها تسبب له ألماً في رأسه. وعن معاناته مع الطرد والإذلال من حراس المساجد كلما حاول النوم فيها، لفت إلى قصة تعذيبه على يد شخص، وقال: «خلال وجودي في جازان حاول طعني وإحراق ظهري، وغرز السكين في يدي، لكنني هربت منه وأنا في سن 13 عاماً، بعد أن عاملني كخادم». وفي ما يخص حياته الحالية، قال: «حياتي مليئة بالذكريات المؤلمة، لا أعرف النوم والأكل لأيام، ما أجده هو الشتم لأنني مجهول الأب والأم، كما يحدث معي شيء غريب، إذ أرى امرأة ثلاث مرات في الشهر منذ ست سنوات، وهي تمد يدها له وتبكي، قائلة (لا تخف ثلاث مرات)، ثم تغادر بعدها، إلا أنني لم أرَ وجهها، وأتألم كلما شاهدتها». من جانبهما، أوضح كل من مدير الأحوال المدنية محمد السلمي، ومدير إدارة الجوازات العقيد سعد بن زياد في منطقة عسير، أن مثل هذه الحالات دقيقة، وتحتاج إلى لجان متابعة تحقق في وضعها، وترفع تقريرها إلى الجهات الرسمية ذات العلاقة كوزارة الداخلية. في حين يُطالب الأكاديمي في مجال التربية محمد العمري الجهات ذات العلاقة بالإسراع في دراسة الحالة، وقال: «لا بد من تدخل سريع لعلاجها، فنحن في بلد يراعي كرامة الإنسان».