لم تفلح الإغراءات ولا التهديدات الاميركية في ثني الفلسطينيين عن مواصلة اللجوء الى مجلس الامن بهدف الحصول على قرار يدين الاستيطان ويطالب بوقفه، حتى لو جاءت النتيجة سلبية، وذلك في أول اختبار أجروه للسياسة الاميركية في المنظمة الدولية منذ وصول الرئيس الديموقراطي باراك أوباما الى الحكم. وقال مسؤولون فلسطينيون ل «الحياة» إنهم ماضون في الطريق الذي اختاروه بعيداً عن الطريق المفضَّل للإدارة الاميركية، وهو طريق المفاوضات. وكانت سفيرة الولاياتالمتحدة سوزان رايس استخدمت «الفيتو» ضد القرار في مجلس الأمن، وقالت: «يجب ألاّ يساء فهم استخدام حق النقض على انه يعني أننا نؤيد النشاط الاستيطاني»، مضيفة ان وجهة النظر الاميركية هي ان المستوطنات تفتقد الى الشرعية. لكنها قالت ان مسوّدة القرار «تخاطر بتشديد موقف كل من الجانبين»، مؤكدة الموقف الاميركي في شأن ضرورة حل قضية المستوطنات والقضايا الاخرى المثيرة للجدل خلال مفاوضات سلام مباشرة. وفي أحدث رد فعل فلسطيني على «الفيتو» الاميركي، نقلت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية عن الرئيس محمود عباس قوله خلال لقائه وفداً أكاديمياً فلسطينياً أمس: «لا نسعى الى مقاطعة الإدارة الاميركية، وليس من مصلحتنا مقاطعة أحد، لأننا لسنا عدميين، بل نريد المحافظة على مصالحنا وحقوقنا المشروعة بموجب القانون الدولي». ورأى «ان الديبلوماسية الفلسطينية حققت انتصاراً حقيقياً بعد تصويت 14 دولة في مجلس الأمن لصالح قرار يدين الاستيطان واعتباره غير شرعي رغم استخدام الولاياتالمتحدة حق النقض». رغم ذلك، أوضح عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» الدكتور محمد إشتية، أحد المقربين من عباس، أن الرئيس سيواصل اللجوء الى المجتمع الدولي من أجل إنهاء الاحتلال، مضيفاً ان «الجانب الفلسطيني يراهن على أنْ تغيِّر الإدارة الأميركية وجهتها وتتوقف عن استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الامن لصالح السياسة الاسرائيلية المخالفة للشرعية الدولية». وكان الرئيس باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون أجريا اتصالين هاتفيين مطوّلين مع الرئيس عباس قبل التصويت على القرار في مجلس الامن، في محاولة لثنيه عن مواصلة تقديمه. وأبلغ عباس القيادة الفلسطينية في اجتماعها ليل الجمعة - السبت في رام الله، بأنه تعرض لضغوط «هائلة» و «مبطنة» من الجانب الاميركي. ونقل عنه مسؤولون قوله إن أوباما أبلغه في المكالمة الهاتفية التي استمرت 50 دقيقة، أن الموقف الفلسطيني «يتعارض مع المصالح الاميركية، ويهدد بالخطر مصالح الولاياتالمتحدة في المنطقة، وستكون له انعكاسات داخل الولاياتالمتحدة، سواء في الكونغرس او مجلس الشيوخ، بوقف المساعدات للسلطة الفلسطينية». لكن عباس رأى في التصويت الاميركي المناوئ لمشروع القرار تعادلاً بين الجانبين. وقال إشتية: «كل طرف تصرف مدفوعاً بمصلحته، الإدارة الاميركية ارتأت ان تستخدم الفيتو لمصلحتها، ونحن ارتأينا ان نواصل تقديم مشروع القرار الى مجلس الامن انطلاقاً من مصلحتنا». وأضاف: «لم تلتق المصلحة الفلسطينية والاميركية في هذه النقطة، ونأمل من الادارة الاميركية أن تتفهم أننا لجأنا الى هذا الخيار ليس من أجل إحراجها وإنما مدفوعين بمصلحتنا الوطنية وتحليلنا للعملية التفاوضية». وأضاف: «الادارة الاميركية رأت أن اللجوء الى مجلس الأمن يتناقض مع العملية السياسية، لكننا رأينا عدم قدرة الإدارة على إقناع إسرائيل بتمديد الموراتوريوم (التجميد الجزئي للاستيطان) لمدة ثلاثة اشهر، ونحن نرى أن صدقية العملية السلمية مرتبطة بوقف الاستيطان». وتُعَدّ الولاياتالمتحدة المانحَ الاكبر للسلطة الفلسطينية، وأدت مساهماتها المالية السخية في الأعوام الثلاثة الأخيرة الى إنقاذ السلطة الفلسطينية من الإفلاس، وربما الانهيار. وعملت الادارة الاميركية من خلال مؤسسة «يو إس إيد» على إعادة بناء البنية التحتية الفلسطينية التي دمرتها إسرائيل أثناء سنوات الانتفاضة السبع. ورغم استخدام الادارة الاميركية ل «الفيتو» لإحباط مشروع القرار الفلسطيني والعربي في مجلس الأمن، الا أن الجانب الفلسطيني مصمم على مواصلة معركته في الحلبة الدولية بحثاً عن الاعتراف الدولي بالاستقلال، والضغط على اسرائيل للانسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة. وقال إشتية إن «التجاوب الدولي مع المساعي الفلسطينية مشجع جداً»، مشيراً الى أن نحو 130 دولة عضو في الاممالمتحدة، بينها 14 دولة عضو في مجلس الامن، باستثناء الولاياتالمتحدة، دعمت مشروع القرار. وأضاف ان الجانب الاميركي لن يستطيع أن يظل وحيداً الى جانب اسرائيل في ممارساتها الاحتلالية المنافية للسياسة الاميركية نفسها. وانطلقت عقب التصويت على القرار في مجلس الأمن تظاهرات في مناطق فلسطينية عديدة استنكاراً للسياسة الاميركية ودعماً للموقف الفلسطيني، وتوجهت واحدة من هذه التظاهرات العفوية الى مقر الرئاسة في رام الله. وألقى الرئيس عباس كلمة في التظاهرة قال فيها: «إن الشعب يريد الاستقلال وإنهاء الاحتلال، ويريد الوحدة وإنهاء الانقسام، كما يريد إنهاء الاستيطان». وأضاف: «نحن ضده (الاستيطان) ونريده أن يتوقف بالكامل». ودعا الى المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية وإجراء إنتخابات رئاسية وتشريعية. وفي مدينة نابلس، هتف أمس مئات المشاركين في مسيرة شعبية ضد اوباما، لاستخدام إدارته حق النقض ضد مشروع القرار الفلسطيني المطالب بوقف الاستيطان، ومن هذه الهتافات: «يا أوباما يا حقير، الشعب بدو (يريد) تقرير المصير».