ينطلق المسلسل التاريخي «كبرياء العراق» الذي تعرضه فضائية «السومرية» من شخصية شاعر العراق الراحل محمد مهدي الجواهري مستنداً إلى وثائق حيّة ومشاهد تمثيلية تحيط ب»عصر أبي فرات». فهو، كما يقول عنه المفكر العراقي فالح عبد الجبار، يختصر تاريخ العراق في القرن العشرين، بعدما دخل في مطاحنات سياسية، ولم يكن شاعراً يقف على الحياد، وكان صاحب جريدة الانقلاب التي سبّبت له الاعتقال والسجن أكثر من مرة. تقدم هذه الدراما صفحات مخفية ومطوية من تاريخ العراق الحديث. صفحات لا تبدو معروفة لغير العراقيين كثيراً. وفي هذا يفلح المخرج أنور الحمداني بإضاءة درامية وتاريخية على هذا التاريخ العاصف والمتقلب، وإن شابت الشخصية التي تؤدي دور الجواهري في شبابه بعض الجمود والتكسر في الأداء. المشكلة الأساسية التي يعاني منها العمل تكمن في غياب الرؤية الواضحة. فمثلاً، في ثلاثينات القرن العشرين تقدم لنا هذه الدراما مغنية عراقية تدعى انطوانيت اسكندر تؤدي أغنية «خدري جاي»، وهي تعود إلى عام 1933، وهذا قد يظل مفهوما طالما أن الأغنية تساهم بإعادة تنصيب أجواء تلك المرحلة. خصوصاً ان الجواهري زار مدينة يافا الفلسطينية حينها، وكتب عنها رائعته المسماة باسمها، وقال عنها ما قال في لقطات أرشيفية. لكنّ المخرج يأبى هنا الحفاظ على هذه الأجواء التي تساهم بإعطاء تلك المرحلة الثلاثينية أجواء ووحدة عضوية وروحية بذهابه غير الموفق إلى أغنية «أذكر يوماً كنت بيافا» للمغني اللبناني جوزيف عازار، ويقدمها كي يزيد الطين بلة باسم المغني الراحل نصري شمس الدين. كل هذا يساهم بخفض الوتيرة الوثائقية والتاريخية لعمل يمكن القول عنه انه جدي لولا هذه الهنات. ولعل أهميته تكمن في تسليط الضوء على الأحوال السياسية والاجتماعية في تلك الفترة، وبخاصة تلك التي أعقبت وفاة الملك فيصل الأول في ظروف غامضة، اتفق حولها مؤرخو هذه الدراما بأنها لم تكن وفاة طبيعية، وحلول ابنه الأمير غازي محله، والذي «لم يكن مهيأ لاستلام العرش»، وعمله وهو ملك في اذاعة «الزهور» البغدادية. وربما يكون لخطابه الموجه بصوته إلى العراقيين تأثيراً كبيراً حين تكلم عن الأوضاع المتأزمة في فلسطين واشتداد هجمات العصابات اليهودية على مواطنيها العرب، ما حدا بالعراقيين وقتذاك الى تنظيم تظاهرات حاشدة متعاطفة مع الفلسطينيين إثر هذا الخطاب، ما أغضب السفير البريطاني ونوري باشا السعيد. هذا كله قد يأتي موظفاً في شكل جيد في السياق العام الذي وجد الجواهري نفسه فيه، لكن غياب الرؤية تأبى أن تفارق المخرج الحمداني، اذ سرعان ما يلجأ إلى أغنية «فلسطين عربية» للمغنية السورية أصالة نصري، وهي لا شك أغنية جميلة، لكنها تنتمي إلى ذائقة وحساسية لا تنتميان بأي حال من الأحوال إلى تلك الحقبة التاريخية، وبخاصة أننا سنشهد في الحلقة التي أذيعت فيها الأغنية، على منع نوري السعيد ليهود العراق بالهجرة إلى فلسطين إلا بعد تسجيل المقامات العراقية في الاذاعة العراقية بأصوات المغنين والموسيقيين اليهود. وهذا ما يفعله اليهوديان صالح الكوتي وسليمة مراد التي ترفض مغادرة العراق وتتزوج من المطرب العراقي ناظم الغزالي في كبرياء درامية تستحق الوقوف عندها. ويضم هذا المسلسل مجموعة من الفنانيين العراقيين واللبنانيين مثل عبد الستار البصري الذي جسّد شخصية الجواهري وكامل ابراهيم الذي جسّد شخصية الجواهري في شبابه وأياد الطائي بدور الملك فيصل الأول ووليد العبوسي بدور نوري باشا السعيد وطه المشهداني بدور الزعيم عبدالكريم قاسم وعمار شلق بدور الشاعر ابو الطيب المتنبي وشبل الخوري بدور «لورنس العرب»