دائماً ما تصيب الإنسان قشعريرة وحسرة ويعض أصابع الندم والقهر ويلتقط أنفاسه المكتومة المكلومة عندما يلاحظ الدمار والخراب من دون أن يستطيع أن يفعل شيئاً يساهم في إسعاد مجتمعه. هذا الشعور التمسته لدى كثيرين ممن شاهدوا مدينة جدة وهي تفقد الكثير من مقومات الحياة الهادئة، بسبب ما حدث لها وخدش ملامح وجهها الفاتن. لقد ظلت جدة دوماً حاضنة لكل الأطياف الاجتماعية من شتى نواحي العالم، وأضحت قبلة المال والأعمال والتجارة والنمو والتطور المتسرع على خريطة الوطن العربي والإسلامي، إلا أننا نراها اليوم تعيش أسوأ حالات ازدهارها، بحزن يدمي الأفئدة، ولا يسر حتى الأعداء. جميعنا مؤمنون بقضاء الله وقدره، لكننا في الوقت ذاته ندرك أن حجم المعاناة التي أصابت جدة في مقتل لن تفلت من مخيلة كل من عاش لحظات هطول الأمطار التي أدت إلى ما أدت إليه من إحراج شديد لناسها الطيبين الذين لم يعهدوا مثل هذه المصائب، إلا أن الملاحم الأكثر روعةً تجلّت في حرص الجميع من جهات رسمية وأهلية وشعبية على أن يكونوا جسداً واحداً وحصناً منيعاً مع جهود الدولة وحُسن التصرف في مثل هذه الأمور التي سينال المهملون من البشر في حدوث بعضها جزاءاتهم المستحقة من عدالة السماء والأرض. وأكثر ما يثلج الصدور مشاهد التضحيات الكبيرة التي يقدمها الناس خدمة لبعضهم البعض في صور بهية تبرز مدى الحب الكبير للأرض والإنسان، وتفند – بلا شك – سماحة ورحابة سقف العمل الإنساني الخيري التطوعي الذي تتميز به هذه البلاد. ولعل مثل هذه المواقف يوجب أن يتنبه الجميع إلى أن الأخذ بالاحتياطات والمحاذير أمر ضروري في ما يتعلق بالبناء والبسط في ممرات السيول والمنحدرات وتجمعات مياه الأمطار. ولأن جدة الجميلة «يكفيها اللي فيها»، فإننا نوجه الدعوة الصادقة الخالصة إلى زرع التفاؤل وتعميق ثقافة النظر بإيجابية الأمور بعيداً من شخصنتها.