صفّق الآلاف طويلاً لعرض افتتاح واحد من أهم مهرجانات الموسيقى الكلاسيكية في جنوب المتوسط، ووقف الحاضرون دقائق تشجيعاً للعازفين والمغنّين الذين قدّموا أكثر من ساعتين من روائع الموسيقى الكلاسيكية الغربية تكريماً لروح التينور الإيطالي لوتشيانو بافاروتي. ويبدو أنّ الأمسية في المسرح الروماني في الجم ستكون بوّابة الانطلاق عالميّاً للتونسي حسّان الدوس الذي شارك في الاحتفال بالذكرى العاشرة لرحيل لوتشيانو بافاروتي. وهو لم يخف سعادته بالمشاركة في الحفلة التي أعطته مجالاً رحباً ليثبت مقدرته. والدوس صاحب تجربة لافتة في مجال الغناء الأوبرالي، وله إنتاجاته الغنائية الخاصة التي تجمع بين المقامات التونسية الأصيلة وروح الموسيقى الكلاسيكية التي نشأ فيها. ومن أغنية الى أخرى تتطوّر التجربة ويفرض هذا الفنان الشاب حضوره البارز في المشهد الموسيقي التونسي ولدى جمهور ليست له تقاليد في متابعة هذا الشكل الموسيقي، بالنظر إلى وجود أشكال أخرى أكثر حضوراً. ويقول قائد الأوركسترا الإيطالية جوفاني أندريولي إنه سعيد جداً بهذه المشاركة المهمة، مشيراً إلى أنّ الدوس صاحب صوت ذي قدرة كبيرة على محاكاة الأصوات الإيطالية، وأنّه «يحمل المواصفات الفنية ذاتها لبقية الأصوات المشاركة». واختار القيمون على مهرجان الجم الدولي للموسيقى السمفونية في دورته الثانية والثلاثين تكريم بافاروتي، من خلال عرض قدّمته أوركسترا الأوبرا الإيطالية وحضره آلاف التونسيين والأجانب. وأمّن قطار المهرجان ككل سنة رحلة خاصة انطلقت من العاصمة نحو الجم مباشرة حاملة معها أكثر من 500 بين تونسيين وأجانب من بينهم السفير الفرنسي في تونس. وقدمت الفرقة الإيطالية بكل عناصرها عدداً كبيراً من المقطوعات التي اشتهر بها بافاروتي على مدى مسيرته التي امتدت سنوات. وقبل انطلاق الحفلة الموسيقية، استُعرضت مسيرة الفنان الإيطالي (1935 - 2007) عبر صور تؤرّخ لنجاحاته من خلال شاشة عملاقة توسّطت المسرح خلف الأوركسترا مباشرة، فيما وضعت شاشة أخرى خارج أسوار المسرح ليتابع العرض الذين لم يتمكّنوا من الحصول على تذاكر، علماً أن هذه نفدت قبل ثلاثة أيام لينطلق المهرجان بشبابيك مغلقة للمرة الأولى. يُذكر أنّ أوركسترا الأوبرا الإيطالية تأسست عام 2014 وأُنشئت بالتقارب بين مجموعة «سينابس» ومجموعة من الموسيقيين لتكون من أكثر فرق الأوركسترا الإيطالية المرموقة حضوراً، وسبق أن شاركت في مهرجان عام 2015. ومهرجان الجم الدولي للموسيقى السمفونية تظاهرة تُعنى بالموسيقى الكلاسيكية، أُسس عام 1985 وتنتظم عروضه في المسرح الأثري بالجم الذي أدرج عام 1979 ضمن التراث العالمي. ويُعتبر القصر ثاني أكبر مسرح في العالم بعد مسرح كولوسيوم روما ويقع في وسط المدينة الساحلية (200 كلم جنوب شرق العاصمة). وبشهادة العلماء والمؤرخين يعتبر كوليزيه الجم الأكثر جمالاً وصيانة وأكبر بناء أثري روماني في أفريقيا. وتتواصل حوادث المهرجان الدولي حتى الثاني عشر من الشهر المقبل، وتُقدّم الأوركسترا السمفونية للإذاعة الأوكرانية في 15 الجاري عرضاً مميزاً، وفي 22 منه تقام «الليلة المتوسطية للكمنجة» مع أوركسترا «فيلا مدريد» بمشاركة مصر وتركيا وتونس، فيما يكون اللقاء في 24 منه مع ماريا دلمار بوني من إسبانيا ورباعي «آماندوز» من رومانيا. وتتواصل العروض في الخامس من الشهر المقبل مع أوبرا فيينا، إضافة الى عرض «عودة باخ» مع عازفة البيانو التونسية سندة العتري والمغنّي التونسي منير الطرودي بمشاركة الأوركسترا المتوسطية لتونس، لتَختتِم الدورة الثانية والثلاثين بعرض الأوركسترا السمفونية التونسية مع مشاركة خاصة لعازف الغيتار كريستوف دينوث والمغني جانّي بروشي.