الأعصاب المشدودة هي التي تسيطر على المشهد السياسي اللبناني، بل على الشارع، وحتى على الاقتصاد مع الأنباء عن تدخل مصرف لبنان خلال الأسبوع الماضي مرات عدة بائعاً مئات الملايين من الدولارات للحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية. وفي هذه الأثناء كانت الأزمة اللبنانية محور الاجتماع بين وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل والأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان في قصر الإليزيه، وكذلك المشروع الفرنسي لعقد اجتماع لمجموعة اتصال حول لبنان. وقالت مصادر فرنسية مطلعة إن اجتماع مجموعة الاتصال يتوقف على ما يجري في لبنان، لا سيما الاستشارات النيابية الاثنين والثلثاء، والوقائع على الأرض. وعلمت «الحياة» أن الاجتماع الذي كانت باريس تسعى الى عقده بين وزراء خارجية تركيا وقطر وفرنسا حول لبنان، ربما تأجل لعدم تأكيد حضور الوزير التركي. وإذا كانت الأعصاب المشدودة هي المسيطرة على المشهد السياسي بحكم ارتفاع حدة الأزمة السياسية، قبل 24 ساعة من الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، بدءاً من ظهر غد لاختيار رئيس الحكومة المكلف، فلأن حسابات الأصوات تبدو متقاربة على رغم تغيير رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط موقفه أول من أمس وإبلاغه قادة المعارضة أن عدداً من نواب كتلته الحزبيين سيصوتون لمصلحة مرشحها الرئيس عمر كرامي، بعدما كان قراره قبل استشارات الاثنين الماضي التي تأجلت الى الغد، تصويت جميع أعضاء كتلته لمصلحة تسمية رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري. وهكذا، فالتنافس قد يدور على صوت واحد في ظل أنباء عن أن جنبلاط سيتمكن من تأمين 6 أصوات من الحزبيين والحلفاء الى جانب خياره الجديد، فيما سيصوت 5 من الكتلة للحريري، بينما أشارت قيادات المعارضة الى أنه وعد بتأمين 7 نواب لمصلحة كرامي لضمان تسميته وإلا حصل تعادل في الأصوات أي 64 نائباً لكل من المرشحين. وبينما دفعت الأعصاب المشدودة الى الحديث عن اقتراح بتأجيل استشارات الغد، قالت مصادر مطلعة ل «الحياة» ان جنبلاط من أشد مؤيديه، فإن مصادر الرئاسة الأولى أوضحت ل «الحياة» أنه لم يكن لدى الرئيس سليمان حتى مساء أمس توجه الى التأجيل، إلا إذا اتفق الأطراف على ذلك. إلا أن سليمان اعتبر أثناء استقباله أعضاء السلك القنصلي في لبنان، أن «الميثاقية (نسبة الى ميثاق الوفاق الوطني) تفرض إشراك الجميع في المسؤولية للخير والإصلاح». وقال إن «لا أحد يستطيع تغييب أحد... وعلى رغم صعوبة الظرف الراهن فالغد سيأتي وتكون الأمور وجدت طريقها الى الحل». وجاء كلام سليمان في وقت فرضت الأعصاب المشدودة حول تسمية رئيس الحكومة العتيدة، والحديث عن ضغوط داخلية وخارجية على نواب لتعديل موقفهم ترقباً لأزمة سياسية طويلة في البلاد، كائناً من كان الذي سيحظى بأكثرية النواب، فالمعارضة تتهيأ لتأليف الحكومة برئاسة كرامي مع استبعاد فريق الحريري وحلفائه، وبدأت مصادرها تروج أسماء وزراء، بعضهم من الحقبة السابقة على العام 2005، مع استبعاد تمثيل «حزب الله» بقياديين منه، والاستعاضة عنهم بوزراء أصدقاء. كما أنها تهيئ، بحسب أوساطها، لتحرك على الأرض في حال تسمية الحريري، مؤكدة أنه لن يتمكن من تأليف الحكومة. والأخير مع فريقه أخذ يتهيأ لاحتمال نجاح الاتصالات في إقناع نواب من الأكثرية بالامتناع عن التصويت له وبالتالي لنجاح خصمه، وللمعركة السياسية التي سيفرضها قيام حكومة تتشكل من قوى المعارضة الحالية، من لون واحد، باعتبارها ستخوض معركة ضد رموز مرحلة الحكم الموجود منذ 2005 بزعامة الحريري. واتجهت الأنظار الى موقف نواب الشمال المستقلين الأربعة، رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي والنائبين أحمد كرامي وقاسم عبدالعزيز، والذين تردد أن المعارضة تسعى لإقناع بعضهم بالامتناع عن التصويت للحريري أو كرامي، ما يؤدي الى إنقاص عدد النواب المؤيدين للحريري باعتبارهم من حلفائه. لكن الأعصاب المشدودة فعلت فعلها أمس على صعد عدة، إذ أدى تسريب ورقة رفعها جنبلاط أمام المصورين أثناء مؤتمره الصحافي لإعلان موقفه أول من أمس كتب عليها «المطالب التي تقدم بها دولة الرئيس الحريري»، الى رد من المكتب الإعلامي للأخير على ما قاله جنبلاط وإلى سجال بين رئيس حكومة تصريف الأعمال وبين رئيس البرلمان نبيه بري لم يخل من الحدة. وتضمنت الورقة التي نُشرت بنوداً مثل سحب ملف شهود الزور والاستنابات القضائية السورية وتعهد الضباط الأربعة الذين اعتقلوا بعدم متابعة الموضوع وعدم التهجم على ضباط وقضاة وسحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وتحويل فرع المعلومات الى شعبة وتغيير نظام التصويت في مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي وإرسال ال69 مشروع قانون المقرة في حكومة الرئيس السابق فؤاد السنيورة الى مجلس النواب وتثبيت اتفاق الطائف ومعالجة البؤر الأمنية، مقابل إعلان إلغاء بروتوكول التعاون مع المحكمة الدولية ووقف تمويلها وسحب القضاة اللبنانيين منها. وأوضح مكتب الحريري أن «التسوية المطروحة في إطار المشاورات السعودية – السورية لا تقف عند حدود الورقة التي أتى على ذكرها الأستاذ جنبلاط والبنود مجرد خطوة في مسار ديبلوماسي وسياسي كان من المفترض أن يؤدي الى صيغة متكاملة للمصالحة الوطنية». وإذ عدد المكتب الإعلامي لرئيس حكومة تصريف الأعمال العناوين العريضة لهذه التسوية وتجنب موضوع المحكمة، أكد أن «ما ورد خطأ عن مصادقة الرئيس الحريري على بنود الاتفاق مع كل من الرئيس بشار الأسد و (الأمين العام ل «حزب الله») السيد حسن نصرالله، أوحى كما لو أنه جرى التوقيع على الورقة المتداولة، وهو أمر لم يحصل وليس له أساس من الصحة، فليس هناك أي توقيع أو مصادقة»، لكنه شدد على التزام الحريري حماية المواقع الأمنية والقضائية في الدولة، وأشار الى ورقة «أعدها الطرف الآخر لم يكن من هدف لها سوى أنها تشكل حصاراً على موقع رئاسة الحكومة». وردّ المكتب الإعلامي لبري على مكتب الحريري بالقول إن «خريطة الطريق للتسوية في إطار المشاورات السعودية – السورية ليست هي التي جرى التأكيد عليها من خلال الجهود القطرية – التركية»، موضحاً أن «رئاسة حكومة تصريف الأعمال سلّمت في المطار للوفد القطري التركي الورقة التي نشرت في الصحف في محاولة استباقية لإفشاله». ورد مكتب بري على ما وصفه مكتب الحريري «ورقة الطرف الآخر»، معلناً بنودها (نشرت «الحياة» جزءاً منها أمس)، وقال إن فيها «إعادة توزيع الحقائب السيادية حتى لا تبقى حكراً على طوائف دون أخرى، بخاصة للنهب المالي القائم على قدم وساق منذ عقدين». وانتهى بيان مكتب بري الى الإعلان أنه «كفى تحريضاً وتلطياً بالدفاع عن موقع رئاسة الحكومة والحقيقة هو دفاع عن مصالح وأزلام وتجيير مؤسسات لإمارة وهمية». وعاد مكتب الحريري ليرد على الرد، معتبراً أن لا فائدة من الرد «خصوصاً عندما يحاضر البعض عن النهب المالي القائم منذ عقدين»، مؤكداً أنه «البيان الأخير خاتمة لأسلوب لا نتمناه لرئيس المجلس». وفي القاهرة أعلن الرئيس السابق أمين الجميل الذي التقى الرئيس حسني مبارك أمس، أن هناك ضغوطاً مسلحة مباشرة على بعض القوى خلال الاستشارات النيابية من أجل الانقلاب على الديموقراطية. وتحدث عن «تهديدات مباشرة للنواب لدفعهم الى تسمية مرشحين معينين»، منبهاً من خطورة «الانقلاب الذي يحدث في لبنان». وعقد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مؤتمراً صحافياً اعتبر فيه أنه «إذا كلف الرئيس كرامي بتشكيل الحكومة سيكون لبنان مثل غزة ونستطيع تصور المواقف العربية من حكومته». وقال إن حكومة كهذه سيشكلها اللواء رستم غزالة (مسؤول الأمن والاستطلاع في القوات السورية التي كانت موجودة في لبنان قبل عام 2005) والحاج وفيق صفا (مسؤول الارتباط والتنسيق في «حزب الله»). ودعا جعجع الرئيس سليمان الى إعادة الحق لأصحابه «لأننا كنا ضد تأجيل الاستشارات... وإذا كانت بعض الأطراف بدلت رأيها في تسمية الرئيس الحريري رئيساً للحكومة، فذلك على خلفية الضغوط التي مورست عليها». وأشار الى أنها «معركة أصوات طاحنة» والى «تهديدات جدية أدت الى تغيير في موازين القوى في الاستشارات». ومن جهة ثانية، تفقد قائد الجيش العماد جان قهوجي أمس فوج المغاوير في ثكنة رومية، وأكد أن التدابير الميدانية الاستثنائية التي اتخذتها وحدات الجيش في مختلف المناطق اللبنانية، لاقت ارتياح جميع المواطنين ومختلف المراجع السياسية والروحية والشعبية، مشدداً على جاهزية الجيش الدائمة للتدخل حيث تدعو الحاجة، وعزمه على فرض الأمن والاستقرار بمعزل عن التطورات السياسية التي تمرّ بها البلاد، ومؤكداً بقاءه بالمرصاد لكل من يحاول إثارة الفتنة أو استغلال الظروف لتصعيد الموقف والتعدي على أرواح المواطنين وممتلكاتهم.