لا مبالغة في التفاؤل بولادة الحكومة العراقية الجديدة، بعد مخاض شهور طويلة من المفاوضات والتجاذبات العراقية والإقليمية، إذا اعتبِرت هذه الولادة مؤشراً الى ترجيح تمديد عمر التهدئة في لبنان... بانتظار تفاهم شامل ترعاه المظلة السعودية – السورية لتجاوز تداعيات القرار الاتهامي الذي ستصدره المحكمة الدولية. وفيما كان السباق بين قرار المحكمة الذي سيوجّه الاتهام الى الضالعين في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، والتسوية الشاملة التي ستمكّن لبنان من تفادي الفتنة، عبر تفاهم لاحتواء تداعيات القرار، لم يشكل موقف مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي مفاجأة إلا من زاوية توقيته. صحيح ان اعتباره أي حكم للمحكمة «لاغياً وباطلاً»، يستكمل حملة سابقة شنها الرئيس محمود أحمدي نجاد على المحكمة الدولية و «تسييسها»، لكن الصحيح ايضاً ان نجاد نفسه أعلن مرةً انها «شأن داخلي لبناني». وإذا خرقت حملة خامنئي، هدنة التهدئة بين الأطراف اللبنانيين، فانقسموا عليها مثل انقسامهم على كل القضايا الكبرى، فالحال ان نجاح رئيس الحكومة سعد الحريري في امتصاصها سريعاً، مؤشر آخر الى حظوظ المشاورات السعودية – السورية والأفكار التي ما زالت سرية، في النجاح. وإن كان هناك من لمس ضوءاً أخضر من المرشد يوحي ل «حزب الله» بالتصعيد، فالفريق الذي استوقفته دعوته الى مواجهة «المؤامرة» ب «العقل والحكمة» لم يخطئ في قراءة دعوة مبطنة الى عدم تجاوز لغة الحوار. المتفائلون بحظوظ الحل في لبنان، يرون دلالات مميزة لإعلان الخارجية الإيرانية – بعد إقالة منوشهر متقي – منح العلاقات مع السعودية وتركيا أولوية في السياسة الخارجية لطهران، وإعطاء زخم «صامت» لدعم المظلة السعودية – السورية في لبنان، إلى الحد الذي يعالج هواجس «حزب الله» وقلقه على مصيره، في مرحلة ما بعد القرار الاتهامي للمحكمة. بل ان هناك من يميز، في ابتداع تصوّر للمخارج المحتملة، بين ذكر سلاح «حزب الله» وذكر سلاح المقاومة في أفكار الحل التي ما زالت مجهولة، بحيث تشمله سلة التفاهم الى جانب تكريس اتفاق الطائف واستكمال تنفيذه بضمانات، وضمان تفعيل الحكومة بلا ثلث معطل... على ألا يشكل أي قرار للمحكمة خطراً مباشراً على قيادة «حزب الله»، ولو شمل الاتهام عناصر منه. كما يفترض بعضهم التمييز بين سلاح لمواجهة إسرائيل وآخر في الداخل لم يعد مقبولاً، كونه يعطل بوسيلة أو أخرى عمل المؤسسات الدستورية والنظام البرلماني، وكونه الوجه الثاني لعملة الثلث المعطل. كل ذلك مجرد افتراضات متداولة، لكن ما يعيد الى التهدئة مجدداً، بعد حملة خامنئي هو حديث رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد (صحيفة «السفير») عن «تنازلات معينة» يتطلبها أي حل، وعن «حفظ بقاء المقاومة وحمايتها ضد الاحتلال الإسرائيلي». فلعلها المرة الأولى التي يقارب فيها «حزب الله» مسألة التنازلات بوضوح، وذاك رصيد آخر في مصلحة المظلة السعودية – السورية التي اجتازت بنجاح اختبار حماية مشروع الحل من السجالات اللبنانية. وسواء أخطأ أم أصاب ربط موقف خامنئي من المحكمة بمشروع طهران أو تصوراتها لما تريده من أميركا في الجولة المقبلة من مفاوضات الملف النووي المرتقبة في اسطنبول، في إطار تفاهمات أميركية – إيرانية على الملفات الإقليمية... واضح ان جهود تدوير زوايا الحل في لبنان تكسب كلما تراجعت لغة التهديد. الجميع يستعد لمرحلة إعلان الاتفاق، في حين يستعيد بعضهم قلقاً على الأدوار، ظاهره حماسة في الدفاع عن حقوق طوائف. وأما هوامش السجالات اليومية فلا تثير خوفاً على هدوء رأس السنة، ولو صعَّد رئيس مجلس النواب نبيه بري ضد «14 آذار» لأنه «لن يركع». الجنرال عون نفسه طمأن اللبنانيين الى ان بلدهم «ليس فالتاً»، ولكسر رتابة انتظار الحل، لا بأس لدى الجنرال من حملة هنا على «مجلس الوزراء المزراب»، وحملة هناك مبطنة على البطريرك صفير الذي يمارس السياسة «هواية». وبين قلق من «الفتنة» وخشية على مصير العدالة ومصير البلد، واضح ان لدى بعضهم حسابات من نوع آخر، وخوفاً على المواقع إذا دهمهم قطار الحل.