حقيقة الحوار هو تفاعل بين الآباء والأولاد عن طريق المناقشة، والحديث عن كل ما يتعلق بشؤون الفرد والأسرة، بهدف فهم كل فرد من أفراد الأسرة لأفكار الآخر من دون شرط الاقتناع أو الوصول إلى حلول، هذا ما عرفت به مشرفة التدريب في إدارة التدريب التربوي والمدربة والمستشارة المعتمدة في الحوار الأسري من مركز «الملك عبدالعزيز للحوار الوطني» ألماس بنت محمد الهجن في حديثها ل «الحياة». أما كيف تستطيع الأسرة تفعيل الحوار بين أفرادها، فأضافت الهجن بقولها: «يكون ذلك بالاستماع والإنصات التام والاحترام المتبادل من دون تعليق أو سخرية، مع ضرورة تفهم الحاجات ومراعاة خصائص النمو والنضج العقلي والنفسي والاجتماعي للأبناء، كما أن اختيار المكان المناسب والوقت الملائم للحوار مهم، وتقبل النقد، ما يحقق التعايش وتقدير الآخر مهما كان الاختلاف في الرأي والطباع، ونحن نقول نعم للاختلاف لا للخلاف، لأن الاختلاف سبب للتنوع والتطوير وهي ظاهرة صحية، أما الخلاف فسبب في حدوث التفكك والشقاق بين الأفراد، ويزرع العدوانية في نفوس الأبناء، ويضعف التواصل، ما يعطل التماسك الاجتماعي». واستطردت قائلة: «يعاني الواقع الحالي من ضعف الحوار بين أفراد الأسرة بسبب زيادة ظاهرة الطلاق، والانشغال بالفضائيات والالكترونيات، وانشغال الوالدين بأمور الحياة، وضعف الوازع الديني، والاعتماد على العادات الأسرية القديمة التي تهمش رأي الأبناء والبنات في الأسرة وتطالبهم بالطاعة العمياء». وحول دور الأسرة في تعزيز هذه الثقافة المهمة أضافت الهجن: «إن للأسرة دوراً كبيراً في تأسيس شخصية أبنائها من خلال تعزيز أهمية الحوار لديهم، إذ إنها القدوة من خلال الحوار الهادف الذي تتفتح من خلاله الآفاق بين أفراد الأسرة في الجوانب التي تنمي الجانب الديني والثقافي والعلمي لدى أبنائها، ما يساعد أفراد الأسرة في الاشتراك في علاج المشكلات الاجتماعية والنفسية لديهم، هذا على صعيد الأسرة، وأما على الصعيد الفردي الفكري والنفسي فالحوار يزيد الأبناء ثقة بالنفس ويعلمهم احترام الرأي الآخر، ويعودهم على حرية التعبير عن الرأي، والتفكير الناقد البناء لما يراه من حوله». فيما أضافت نائبة المشرفة على الإعلام التربوي في تعليم جدة فاطمة عمر باكودح مجيبة عن سؤال طرحته «الحياة» يخص تعزيز هذه الثقافة في مدارس البنات، مفاده كيف تسهم المدرسة، وتحديداً المعلمة، في تفعيل الحوار بينها وبين الطالبات، خصوصاً أن هناك طالبات لم يألفن هذه الثقافة في محيط الأسرة قائلة: «حتى وإن لم تكن الطالبة ألفت هذه الثقافة في محيط أسرتها، فبإمكان المدرسة أن ترسخ ثقافة الحوار عن طريق إقامة اللقاءات المفتوحة لمناقشة كل ما يخصهن في المدرسة وطرحه على طاولة النقاش، وقد قمنا بهذه التجربة مع الكثير من الطالبات فكان لها الأثر الإيجابي على تصرفاتهن وتغير سلوكهن للأفضل، متخذين من قوله تعالى (وجادلهم بالتي هي أحسن) شعاراً». وأضافت: «على عاتق المدرسة يقع حمل أن تُدرب الطالبات على هذه الثقافة على الأصعدة كافة في التعامل مع الأنشطة وتنفيذ البرامج ومناقشة أمور المدرسة العامة، وفي التعامل مع الأخطاء ودعم الصواب، ويجب ألا نخلط الأمور، فنضع كل طالب أو طالبة يناقش أو يحاور في أمر ما ولم يتجاوز حدود الاحترام للطرف الآخر في إطار الخروج عن الأدب العام أو اللياقة». من جهة أخرى، وحول الإعلام بصفته من أهم الوسائل المساعدة على التعليم والتثقيف لتعزيز هذه الثقافة المهمة، أكد المستشار الإعلامي والكاتب الناقد الصحافي الدكتور صالح بن عبدالرحمن بقوله: «حتماً فإن الإعلام بشتى صنوفه ومساراته يشكل شرياناً مغذياً وفاعلاً لنشر ثقافة الحوار في المجتمع، وعلى سبيل المثال فإن الإعلام الأميركي في فترة زمنية مضت نجح في تحقيق هذه المعادلة إبان تفشي العنصرية بين البيض والسود، ونجح الإعلام الأميركي وقتها في قولبة المجتمع إلى فضاء آخر ينعم بالديموقراطية والتعايش السلمي بالحوار والمنطق الهادف والبناء، بعيداً من أتون العنصرية والتطرف الذي جلب للإدارة الأميركية في ذلك الوقت الكثير من الصداع وتفكيك المجتمع الواحد».