شهدت مدينة كيتو عاصمة الإكوادور السبت الماضي عقد مؤتمر وزراء «أوبك» الاستثنائي وسط ارتفاع لأسعار النفط كسر حاجز ال 90 دولاراً للبرميل للمرة الأولى منذ عامين قبل أن يعود إلى التدني الخجول. وقد تزامن هذا الاجتماع مع صدور التقرير الشهري للمنظمة والذي عدّل توقعاتها للطلب على النفط خلال هذا العام والعام المقبل، حيث قدرت المنظمة أن يرتفع الطلب على النفط خلال هذا العام بحوالى 1.5 مليون برميل يومياً ليبلغ حوالى 86 مليون برميل يومياً، وفي عام 2011 سيقفز ليكسر حاجز 87 مليون برميل يومياً. هذا الطلب على النفط كان متوقعاً على رغم أن النظام الاقتصادي الدولي ما زال يواجه صعوبات عدة، وخير مثال أزمة اليونان وإرلندا ودول أخرى مرشحة لإعصار اقتصادي كالبرتغال وإسبانيا وغيرهما، لكن على الجانب الآخر هناك تعافٍ في اقتصادات أخرى ونمو متسارع في دول مثل الصين، ناهيك عن أن الولاياتالمتحدة الأميركية التي هب الزلزال الاقتصادي العالمي من على أرضها ليبلغ كل قارات العالم، هذه الدولة التي انخفض استهلاكها بسبب الإعصار بحوالى 1.5 برميل يومياً، عاد النفط ليشهد زيادة في استهلاكه في ذلك البلد، على رغم أن أزمته الاقتصادية الطاحنة ما زالت تغلف اقتصاده، ودعم استمرار ارتفاع الأسعار ما تشهده القارة الأوروبية من برد قارس. هذا إلى جانب استمرار تدهور سعر صرف الدولار الذي يسعر به النفط للأسف حتى بلغ مقابل الين الياباني مثلاً 84 يناً بينما كان في أواسط الثمانينات بحدود 265 يناً، ولكم أن تروا مدى الخسارة الفادحة التي تلحق بإيرادات دول «أوبك». وإذا كانت وكالة الطاقة الدولية، المدافع الرئيسي عن الدول الصناعية (المستهلك الرئيسي للنفط)، فهي منذ تأسيسها على أثر ثورة الأسعار الأولى عام 1973 أصبحت شوكة في نحر «أوبك». هذه الوكالة تتوقع من جانبها زيادة الطلب على النفط بحجم أكبر من توقعات «أوبك»، فهي في تقريرها الأخير تقدره للعام الحالي ب 87.4 مليون برميل يومياً وفي عام 2011 سيقفز ليبلغ 88.8 مليون برميل يومياً، وإذا كانت وكالة الطاقة الدولية تعزو ارتفاع الأسعار إلى الأسباب نفسها التي تسوقها «أوبك» وتضيف إليها قولها إن الدول الغنية بمنطقة التعاون والتنمية الاقتصادية تشهد انتعاشاً في اقتصاداتها ينعكس على زيادة طلبها من النفط، وبالتالي زيادة أسعاره، فإن «أوبك» - على رغم هذه التوقعات المتفائلة والتي اشتد عودها في السنوات الأخيرة - تنظر إلى هذا بحذر، لا سيما مع ارتفاع الإنتاج النفطي في كل من كازاخستان وكندا والبرازيل. ولا شك في أن ما قرره وزراء «أوبك» في كيتو من إبقاء سقف إنتاجهم من دون تغيير فيه نظرة بعيدة صائبة لمستقبل أسعار النفط على رغم كسرها حاجز 90 دولاراً، لا سيما مع بلوغ إنتاج «أوبك» بأعضائها ال 12 عضواً حوالى 30 مليون برميل يومياً، إلا أن مسيرة الأسعار الحالية التي تجاوزت الحد المقبول لدى أعضاء «أوبك» كنطاق سعري ما بين 75 - 80 دولاراً للبرميل يجب النظر فيها بروية تخدم مصالح «أوبك» في سعيها لاستقرار سوق النفط الدولية، فالأسعار أخذت مسيرتها ارتفاعاً من دون تحديد مستوى سعري تحوم حوله، كالذي كان سائداً قبل ثورة الأسعار بعد الغزو الأميركي - البريطاني لأفغانستان والعراق واحتلالهما. فالسياسة السعرية ل «أوبك» في تلك الفترة من تاريخ النفط هي محاولة ضبط الأسعار ما بين 22-28 دولاراً للبرميل على أن تزيد سقف إنتاجها ب 500 ألف برميل يومياً إذا تخطت الأسعار 28 دولاراً وتخفض الإنتاج 500 ألف برميل يومياً إذا كسرت حاجز 22 دولاراً نزولاً. أما اليوم فإن مساحة السعر واسعة فقد أعلن بعض وزراء «أوبك» رضاهم عن سعر يحوم ما بين 75-80 دولاراً، لكنهم لم يحددوا مستوى سعرياً يعتبر هدفاً تدافع عنه «أوبك»، وتحافظ عليه طبقاً لسياسة إنتاجية رفعاً للإنتاج أو خفضاً له تحارب من أجله، يحقق مصالحها، ويخدم سوق النفط الدولية والاقتصاد الدولي واقتصادات الدول المنتجة، ويقلل من حجم الاستثمارات في الحقول النفطية العالية التكلفة التي تصبح مجالاً للاستثمار في حال ارتفاع الأسعار فوق 70 دولاراً، إضافة إلى أن الطاقة المتجددة سترفع رأسها في حال بلوغ أسعار النفط مستويات عالية. وإذا كان سعر برميل النفط قد كسر حاجز 90 دولاراً على رغم أن التزام أعضاء المنظمة طبقاً لمصادرها بالحصص المقررة لهم لا يزيد على 38 في المئة خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، فإن هذا يرسل إشارة واضحة حتى للأعشى، أنه إذا التزم الأعضاء بحصصهم 100 في المئة فإن الأسعار ستقفز عالياً لا محالة، هذا لأن الأسعار الحالية المرتفعة بلغت هذا المستوى والسوق الدولية للنفط مشبعة منه، بل وهناك فائض من المعروض من النفط. وزراء «أوبك» الذين استضافتهم كيتو، من دون شك يدركون هذه المعادلة، كما يدركون أن بعض تحديات «أوبك» هي من داخل بيتها، وإذا كانوا قد اعتبروا اجتماعهم في العاصمة الإكوادورية اجتماع عمل تضامنياً واحتفالاً بعودة ذلك البلد النفطي الذي يبلغ احتياطيه أكثر من 4.5 بليون برميل، وسبق أن علق عضويته في المنظمة عام 1992 نتيجة لانخفاض مستوى إنتاجه وعاد إلى بيت «أوبك» في عام 2009، فإن هذا يبعث رسالة إلى «أوبك» لإصلاح بيتها من الداخل، لخلق سوق نفطية دولية مستقرة، فإندونيسيا سبق لها أن خرجت من عقد المنظمة، والعراق اليوم بعد احتلاله ليس أكثر من ضيف على المنظمة، فهو ليس خاضعاً لما تقرره لأعضائها من حصص وينتج كل برميل يستطيع إنتاجه. لهذه الأسباب وغيرها كثير فإن على اعضاء «أوبك»، الذين حصدوا مبالغ فلكية بسبب ارتفاع الأسعار خلال السنوات الست الماضية، على رغم تآكل مداخليهم بسبب انهيار سعر صرف الدولار المريض، عليهم تبني سياسة سعرية واضحة لنفوطهم تجعل من المستوى السعري الذي تحدده المنظمة هدفاً تكافح من أجل المحافظة عليه، وعلى الجانب الآخر لا بد للمنظمة لإعلان صدقية أعضائها وتمسكهم بمنظمتهم ومستقبلها والعض عليه بالنواجذ من أن يلتزموا بسقف الإنتاج الذي حدوده لأنفسهم ليصبحوا قدوة للدول خارج «أوبك» التي تطالبها المنظمة بالتعاون معها لخلق سوق نفطية دولية مستقرة. وإذا لم تفعل «أوبك» التي حددت 2 حزيران (يونيو) من العام المقبل موعداً لاجتماعها المقبل، فإن مستقبل السوق النفطية سيصبح في خطر والرياح التي هبت على المنظمة قد تعقبها سنوات عجاف تعاني منها «أوبك» التي تأسست عام 1960 لحماية مصالح دولها والدفاع عن الأسعار، وقدمت الكثير لدولها، وعليها إن أرادت البقاء في مقدم السباق النفطي الدولي كأهم لاعب في السوق الحفاظ على تضامنها وإصلاح بيتها من الداخل، فهذا هو أهم عنصر للحفاظ على سياسة نفطية مرنة تنحصر في معادلة صعبة تتمحور حول الإنتاج والأسعار. * رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية. [email protected]