أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن موسكو لا تسعى إلى تبرير خطوات الرئيس السوري بشار الأسد، لكن تصرّ على تشكيل فريق دولي واسع من الخبراء للتحقيق في الهجوم على محافظة إدلب وضرورة تفقد مكان الحادث في خان شيخون. وزاد أنه أبلغ نظيره الأميركي ريكس تيلرسون بهذا الموقف خلال محادثات الطرفين الأربعاء. وقال الوزير الروسي أمس، إن بلاده قدمت اقتراحاً محدداً بإجراء تحقيق واسع، إلى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في لاهاي، ودعت إلى إشراك مزيد من الخبراء من الدول الغربية وروسيا في بعثة دولية للتحقيق في الهجوم على خان شيخون. واستغرب لافروف ما وصفه بأنه «سعي الغرب للامتناع عن إجراء تحقيق موضوعي لهذا الحادث وإرسال مفتشين دوليين إلى محافظة إدلب»، مضيفاً أن الدول الغربية «تبرر موقفها هذا بأن منطقة خان شيخون غير آمنة للمفتشين». وقال إن تيلرسون «تعامل بايجابية» مع المقترح الروسي، لكنه لم يبد استعداداً لتبني هذه المبادرة بالتعاون مع روسيا. كما أكد لافروف أن محادثات تيلرسون في موسكو كانت «مفيدة»، مشيراً إلى أن الجانبين اتفقا على مراجعة كافة المشكلات التي ورثتها موسكووواشنطن من الإدارة الأميركية السابقة، لكنه شدد في الوقت ذاته على «عدم توقع نتائج سريعة من الحوار الروسي – الأميركي». واعتبر أن «الحوار السياسي مع واشنطن أفضل في كل الأحوال من تبادل التصريحات والاتهامات». مؤكداً أن المحادثات مع تيلرسون سمحت بتوضيح مواقف البلدين، بخاصة في شأن الأزمة السورية. وأكد أن «روسيا لا تراهن على الأسد، وتستغل علاقاتها مع دمشق لحضها على التعاون الكامل حول حادثة خان شيخون». وشدد على معارضة روسيا «الاختبارات المتواصلة للغرب» في إشارة إلى عودة الحديث عن إطاحة الأسد، وزاد: «لقد شاهدنا في الماضي مثل هذه الاختبارات ونعلم جيداً جداً إلى ماذا تؤدي»، مضيفاً أن روسيا «لهذا السبب لا تراهن على أي شخص في سورية، لا الرئيس الأسد ولا أي شخص أخر»، مجدداً تأكيد موقف موسكو في شأن ضرورة أن يتوصل جميع السوريين إلى اتفاق حول مصير بلادهم عبر حوار شامل. وكان لافروف أعلن في مؤتمر صحافي جمعه مع تيرلسون في أعقاب لقاء الوزيرين مع بوتين مساء الأربعاء، أن الجانبين الروسي والأميركي أكدا، خلال المحادثات، عزمهما محاربة الإرهاب الدولي «بلا هوادة». وزاد أن «هذا الموضوع بحثه الرئيسان سابقاً خلال اتصالات هاتفية، كان أحدثها في الرابع من نيسان (أبريل) عندما اتصل دونالد ترامب بفلاديمير بوتين للتعبير عن تعازيه بصدد العملية الإرهابية في مترو سان بطرسبورغ». وشدد لافروف على إن العلاقات بين روسياوالولاياتالمتحدة تمر «حالياً بمرحلة صعبة، خصوصاً في ظل محاولات بعض الأطراف إعاقة إطلاق التعاون بين البلدين». وزاد أن بوتين أكد خلال المحادثات مع تيلرسون التي وصفها الوزير الروسي بأنها كانت «شاملة وصريحة»، عزم موسكو على تجاوز الخلافات. وفي أول مؤشر إلى استعداد موسكو لتنفيذ خطوات عملية في هذا الاتجاه، قال لافروف إن بوتين أبدى استعداد موسكو إعادة تفعيل مذكرة التفاهم الثنائية في شأن ضمان سلامة الطيران في سورية التي تم تجميدها من جانب موسكو بعد الضربة الأميركية على قاعدة الشعيرات، لكنه ربط هذا الموضوع بضرورة «التأكيد الواضح على أن الهدف المبدئي لعمليات القوات الجوية للتحالف بقيادة الولاياتالمتحدة، وكذلك للقوات الجوية الفضائية الروسية، يكمن في محاربة تنظيمي داعش وجبهة النصرة». وأكد لافروف أن الطرفين تبادلا الآراء حول ضرورة إجراء تحقيق موضوعي في قضية الهجوم على خان شيخون، مشدداً على أن موسكو لمست استعداداً لدى واشنطن لدعم هذا الموقف. كما لفت وزير الخارجية الروسي إلى أن النهج، الذي أعلنته كل من روسياوالولاياتالمتحدة، بعدم التدخل في شؤون سورية الداخلية، لا يزال في حيز التنفيذ، مؤكداً أن كلا البلدين لديهما مصلحة في التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية. وأشار ريكس تيلرسون إلى ضرورة وقف تدهور العلاقات بين الدولتين العظميين النوويتين وإعادة الثقة بينهما. ودعا إلى الحفاظ على قنوات الاتصال الديبلوماسية والعسكرية بين القادة الروس والأميركيين، مؤكداً وحدة موقف واشنطنوموسكو من ضرورة أن تكون سورية دولة موحدة مستقرة، لا مكان فيها للإرهابيين. لكن تيلرسون تطرق إلى الملفات الخلافية، وشدد على أن محادثاته في موسكو تناولت الدور المستقبلي للرئيس الأسد. واعتبر أنه «من الواضح أن نهاية نظام الأسد قريبة سواء شارك في العملية السياسية أو لم يشارك فيها». وتابع أن الموقف الأميركي يتلخص في أن على روسيا، بصفتها أقرب حليفة للحكومة السورية «أن تساعد الأسد في استيعاب هذه الحقيقة»، مضيفاً: «نعتبر مهماً أن يتم رحيل الأسد بصورة منسقة ومنظمة لضمان تمثيل جميع الطوائف حول طاولة المفاوضات لحظة إيجاد حل سياسي... أما كيفية حدوث ذلك فستتضح خلال العملية السياسية» المستقبلية. وأردف الوزير: «نحن ندرك أن ذلك سيتطلب وقتاً معيناً. لكن النتيجة لا تبقي للأسد دوراً في حكومة سورية، فالمجتمع الدولي لن يقبل ذلك». واعتبر تيلرسون أن «الحقائق التي تملكها الولاياتالمتحدة تؤكد مشروعية» توجيه الضربات الصاروخية على قاعدة الشعيرات. وأضاف أن الحديث لا يدور سوى عن حادث واحد فقط من سلسلة حوادث ل «استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية، وصل عددها إلى خمسين مرة». ودفعت هذه التفاصيل لافروف إلى الاعتراض، قائلاً إن روسيا تصر على إجراء تحقيق نزيه قبل الخروج بمثل تلك الاستنتاجات. على صعيد آخر، انتقد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف المواقف الغربية في مجلس الأمن التي وصفها بأنها «استعراضية» وتسعى إلى التملص من دعم تحقيق جاد لتحديد المسؤولين عن الهجمات الكيماوية. وقال إنها «دفعتنا إلى استخدام حق النقض (الفيتو) لأن اصحاب المشروع أرادوا عملاً استعراضياً ولم يستمعوا إلى الموقف الروسي بضرورة فتح تحقيق جدي قبل توجيه اتهامات». وقال ريابكوف إن موسكو تأمل بألا تمارس منظمة حظر السلاح الكيماوي «الأسلوب الاستعراضي ذاته، وأن يقوم عملها وهي تستعد لإرسال لجنة تحقيق على أساس المهنية والموضوعية». بالتزامن، بدأت موسكو حشد تأييد دولي وإقليمي لمواقفها حول التحقيق الكيماوي ولتخفيف الضغوط عن نظام الأسد، وعقد ممثلو دول مجموعة «بريكس» التي تضم بالإضافة إلى روسيا كل من البرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا اجتماعاً أمس، في موسكو خصص لمناقشة ملف سورية والوضع في الشرق الأوسط. ودعا بيان صدر في ختام الاجتماع إلى استمرار التعاون بين منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ودمشق حول حالات استخدام السلاح الكيماوي أو التهديد باستخدامه. وأعلنت الخارجية الروسية أن نائب الوزير ميخائيل بوغدانوف مثّل روسيا خلال اللقاء وشدد البيان الختامي على إدانة أي استخدام للأسلحة الكيماوية من قبل أي طرف كان وتحت أي ظروف، وحضت مجموعة «بريكس» المجتمع الدولي ل «الحفاظ على وحدة الصف عند النظر في أي حالات استخدام للسلاح الكيمياوي أو التهديد باستخدامه، وشددت على أهمية استمرار التعاون بين السكرتارية الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية والآلية المشتركة بين المنظمة المذكورة والأمم المتحدة مع السلطات السورية». وأكد المشاركون في اللقاء على الدعم القوي لسيادة ووحدة أراضي سورية وضرورة حل النزاع فيها بالطرق السلمية بأيدي السوريين أنفسهم. وأعربت «بريكس» عن دعمها كل الجهود الخاصة بتحقيق التسوية السياسية – الديبلوماسية للأزمة السورية من طريق المفاوضات على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.