لم تختلف نبرة التشاؤم كثيراً في حديث نخبة الخبراء العالميين الذين جاؤوا إلى الدوحة على مدار ثلاثة أيام للمشاركة في مؤتمر «وايز» حول الابتكار في التعليم. فالأرقام المعلنة والتحليلات أكدت مجدداً استمرار تراجع الحكومات في تمويل العملية التعليمية، وتقاعس رجال الأعمال والقطاع الخاص عن دعمها، لكن الحقائق تبدو أكثر قتامة لدى الحديث عن واقع التعليم في الوطن العربي والدول الأفريقية. جلسات ماراثونية وورش عمل شهدتها قاعات مختلفة من فندق شيراتون الدوحة لتشريح واقع العملية التعليمية في العالم، لا سيما في المناطق الأفريقية والعربية، ومناقشة إمكان النجاح في تحقيق التعليم الأساسي لجميع أطفال العالم في حدود 2015، كجزء من الأهداف الإنمائية الألفية للأمم المتحدة. ومثلما كانت الحال عليه في القمة الماضية، اتفق المتحدثون على أن الحكومات كانت ولا تزال في دائرة الاتهام بسبب تقاعسها عن تمويل التعليم، لا سيما في الوطن العربي، وقد تفاقمت المشكلة مع الأزمة المالية العالمية. حقائق لخصتها المديرة العامة لمنظمة ال «يونيسكو» يوكوفا إرينا بقولها: «الجميع يعلم أننا أحرزنا تقدماً ملحوظاً، ولكن في الوقت نفسه لدينا طريق طويل، فهناك حوالى 60 مليون طفل في العالم لم يلتحقوا بالمدارس الابتدائية، وأقل من 40 في المئة من الدول تقدم الحقوق المتكافئة بين الفتيان والفتيات في العملية التعليمية، كبعض دول القارة الأفريقية، حيث 12 مليون طفلة لم يلتحقن بالمدارس». وحذرت يوكوفا من أن تمويل التعليم الأساسي يتوقف لأول مرة منذ عام 2000 إلى 2008، اذ سجلت ثغرة في تمويل الحكومات للتعليم، لا سيما في الدول الأفريقية بسبب تأثيرات الأزمة المالية العالمية، ما أعاق الوصول إلى تنمية مستدامة. وأثنت المتحدثة على جهود الشيخة موزة بنت ناصر المسند الراعية لمؤتمر «وايز» إلى جانب جهودها، منذ تعيينها مسؤولة عن مجموعة النهوض بالأهداف الإنمائية الألفية للأمم المتحدة، خصوصاً في المجال التعليمي الابتدائي. وحظيت الإصلاحات في مجال التعليم في الوطن العربي بجلسة خاصة، وقال الدكتور يسار جرار الشريك المسؤول في مؤسسة «برايس ووترهوس كووبر» إن اصلاح التعليم بات يمثل معركة خاسرة في العالم العربي، مشيراً إلى أن التغييرات الديموغرافية وكون غالببية سكان المنطقة من الشباب، تؤثر في حصول الطلاب على التعليم الكافي. ولفت المتحدث أيضاً إلى عدم توافق تأهيل خريجي الجامعات مع متطلبات سوق العمل، في وقت يعد العالم العربي من أضعف مناطق العالم في الإبداع، بسبب أن الحكومات تعمل على بناء مشاريع كبيرة في مجال التعليم، لكنها لا تستثمر في مجال الأبحاث، ناهيك بعدم تطوير المناهج منذ عقود. وأشار إلى حاجة العالم العربي إلى 180 مليون وظيفة، معتبراً أن الحل يكمن في ضرورة دخول القطاع الخاص والمجتمع المدني شريكين مع الحكومات لدفع عجلة التطور في التعليم، لكنه رهن ذلك بضرورة تغيير المنظومات القانونية. وقال مدير مركز التعليم المستمر في فلسطين مروان طرزي إن النظام التعليمي في الدول العربية يتم العمل به منذ منتصف القرن العشرين، وهو يركز على أساساً على تخريج طلاب يعملون في القطاع الصناعي بمناهج قديمة، الأمر الذي لم يعد يلبي حاجات السوق الذي يركز حالياً على الأيدي العاملة المدربة على الوسائل الصناعية الحديثة، لافتاً إلى أن 50 في المئة من الطلاب يرسبون في النظام التوجيهي، ما يجعل هذه النسبة تبقى أمية وتندرج ضمن قائمة العاطلين من العمل. بيد أن نقص تمويل التعليم ليس حكراً على الوطن العربي، فقد انخفض في السنوات الأخيرة عالمياً بنسبة 4 في المئة، بينما لا توفر 40 في المئة من مدارس العالم الحقوق المتساوية للبنين والبنات، وفقاً للمدير العام لل «يونيسكو». إلى ذلك، انصبت النقاشات على أهمية تطوير التعليم في القرن الحادي والعشرين، وقضايا من قبيل الحكم الرشيد، والتعليم المفتوح. وكجزء من التجارب المضيئة، كرمت الشيخة موزة بنت ناصر المسند، الفائزين الستة بجائزة مؤتمر «وايز» لأفضل الابتكارات التعليمية، وتم اختيار الفائزين من بين أكثر من 400 طلب ورد من 89 بلداً. وتأتي مدرسة «سيتيزنز فاونديشن» في باكستان كأبرز التجارب الناجحة في توفير التعليم، وتحدث عنها مديرها مشتاق تشابرا قائلاً إن مؤسسته تدير شبكة من 600 مدرسة في أفقر المناطق الريفية والأحياء الفقيرة في باكستان، وأنها تعمل على بناء 100 مدرسة على المدى البعيد، كما نجحت في إدخال 50 في المئة من الفتيات إلى المدارس. وما سهل النجاح في الرهان تأمين مدارس مجاورة لمنازل الفتيات، ما شجع على إدخالهن في العملية التعليمية من دون خوف. وبعد ثلاثة أيام من نقاشات طويلة ومستفيضة، بدا واضحاً أن الطلاب الذين يفترض أنهام المعنيون الأوائل بهذه النقاشات، كانوا الحلقة الأضعف في الحضور، الأمر الذي تفطن له مارك برينسكي المؤسس والمدير التنفيذي لمؤسسة «غايمز توترين» في الولاياتالمتحدة الأميركية، حينما قال إنه يتمنى أن يجمع «وايز» في قمته المقبلة طلاباً من مختلف دول العالم، ولخص الكثير من النقاشات بقوله إن الكثير من السياسيين والمعلمين لا يزالون يعيشون في الماضي ويستخدمون وسائل الماضي لتعليم جيل المستقبل، مشيراً إلى أن الأمر لن يجدي نفعاً، لأن المطلوب التغيير الذي يحترم الماضي ولا يعيش فيه. وسرعان ما جاء الرد من رئيس المؤتمر عبدالله بن علي آل ثاني الذي أكد أن قمة هذا العام أفضل من التي سبقتها، حيث ثم التركيز على أصوات الدارسين، ونشر 19 طالباً من بلدان مختلفة تدوينات حول القمة وفعالياتها. وعلى رغم أن الكثير من النقاشات منح طابعاً سلبياً لواقع التعليم في الدول العربية والأفريقية، إلا أن الشيخة موزة حرصت على أن تزرع أجواء التفاؤل في اختتام المؤتمر، مستدلة بنجاح قطر في استضافة المونديال لتقول: «تعلمنا درساً مهماً من خلال إنجاز ملف استضافة كأس العالم 2022 بأن شباب قطر - شباب العرب وشباب الكون - قادرون على صنع التغيير متى أعدوا الإعداد الجيد، وأعطوا الفرصة للمشاركة». ورأت أن استنهاض طاقات الوطن العربي الكامنة بإمكانها، بعد وضعها في سياقها الاستراتيجي الضروري، أن تجعل التعليم، ليس هدفاً فحسب، وإنما سبيلاً استراتيجياً يفضي بنا إلى أن نكون لاعبين أساسيين في الساحة الدولية. إلى ذلك، أعلن في اختتام المؤتمر عن تأسيس جائزة مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم «وايز»، وهي مخصصة للاحتفاء بمن ساهموا في تطوير التعليم وعملوا من أجله. وستتم دعوة المرشحين للجائزة إلى الدوحة في 1 شباط «فبراير» المقبل وفحص الترشيحات من لجنة مكونة من 15 عضواً ليختار 5 محكمين دوليين الفائز بالجائزة. وستقدم كل المعلومات الخاصة بالجائزة على الموقع الإلكتروني، وسيعلن عن الفائز للمرة الأولى في قمة 2011 وسيحصل على ميدالية ذهبية إضافة إلى نصف مليون دولار. وسيعقد مؤتمر «وايز» المقبل في الدوحة في 1 و2 و3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011.