لم تؤدّ اجتماعات اليومين الماضيين في جنيف بين ايران ومجموعة «5+1» الى تقدم في مضمون المفاوضات حول الملف النووي لطهران. وقد لا يكون احد يراهن على توصل هذه الجولة الى اختراق ما، لا بل اعتبر الطرفان ان الغرض من هذه الجولة هو مجرد معاودة الاتصال بعد توقف استمر 14 شهراً. واعتُبرت الجولة في هذا المعنى انجازاً في طريق السعي الى الحل السلمي للأزمة النووية الايرانية. وحققت هذه الجولة ايضاً انجازاً آخر تمثَّل بالاتفاق على جولة مقبلة في نهاية الشهر في اسطنبول. وهذا يعني ان الجانبين يتمسكان حالياً بهذا الشكل من التفاوض، وايضاً قدمت مجموعة «5+1» تنازلاً لإيران عبر الموافقة على اللقاء في اسطنبول. وهي المكان الذي طالبت به طهران سابقاً لاستضافة جولة اليومين الماضيين. وحتى لو أن تركيا لن تكون طرفاً في المفاوضات أو لن تلعب دوراً مباشراً فيها، فان مجرد قبول المجموعة باستضافة اسطنبول للجولة المقبلة يشكل بادرة حسن نية ازاء ايران، ويعني اعطاء تطمينات لها بالانفتاح على بعض مطالبها لجهة دور تركي في نقل الوقود النووي او تخزينه، خصوصاً بعد رفض التعامل مع المبادرة التركية - البرازيلية في شأن التخصيب. وجاءت صيغة «التعاون وايجاد نقاط مشتركة»، كهدف للجولة المقبلة وبعد محادثات «بناءة» في جولة جنيف، لتؤكد هذا الانفتاح من جانب دول ال»5+1» (الولاياتالمتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والمانيا)، اضافة الى الاتحاد الاوروبي على هواجس طهران، على امل حملها على القيام بخطوة مماثلة تتيح التقدم في جوهر المفاوضات. اي ان الاسرة الدولية، الممثلة بمجموعة «5+1» والاتحاد الاوروبي، ابدت حسن نية ازاء الهواجس الايرانية بابقاء سلة الحوافز على الطاولة، رغم استمرار ايران بالتخصيب. واقدمت على خطوة بناء الثقة عبر الانتقال الى اسطنبول لاجراء الجولة المقبلة، مع كل ما يعني ذلك من استعداد لاخذ مطالب ايران في الاعتبار. في موازاة مفاوضات جنيف، كانت دول الجوار الايراني الاكثر تأثرا بارتدادات ازمة الملف النووي، اي دول مجلس التعاون الخليجي، تعقد قمتها السنوية في ابوظبي. وهي شددت على ضرورة الحوار والحل السلمي للملف الايراني والتزام الشرعية الدولية في هذا الشأن، ورفضت رفضاً مطلقاً الخيار العسكري في التعامل مع هذه الازمة. كما شددت على الحق في امتلاك الطاقة النووية لاغراض سلمية وعلى اخلاء المنطقة، بما فيها اسرائيل، من السلاح النووي. وابدت الدول الخليجية انفتاحاً كبيراً على كل اشكال التعاون مع ايران من اجل الامن والاستقرار في المنطقة. وبدا من مداخلة وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي، في مؤتمر المنامة قبل ايام، ومن موقف القمة الخليجية من الازمة النووية الايرانية، ان الجانبين يسعيان الى تجاوز ما ورد في الوثائق التي نشرها موقع «ويكيليكس» في هذا الشأن. وهذا ما يوفر اساساً لاستعادة ثقة قد تكون اهتزت في السابق، ليس بفعل الملف النووي وحسب، وانما ايضاً بفعل السلوك الايراني العام في ازمات المنطقة، خصوصا العراق واليمن، وارتداداتها على الدول الخليجية. وهكذا، تبدو الاسرة الدولية ودول الجوار الايراني في موقع الساعي الى حل سلمي لازمة الملف النووي، كما تبدو على استعداد للاقدام على خطوات حسن نية لتحسين ظروف اي مفاوضات جدية. لكن يبقى ان تعمل ايران على لقاء الآخرين في منتصف الطريق لتفادي ما يخشاه الجميع من انزلاق، في غياب الحل السلمي. وقد يكون حان الوقت لتقدم ايران على مثل هذه الخطوة، عبر اجراءات وسياسات تطمئن المجتمع الدولي ودول الجوار على السواء.