هل فوجئت إدارة الرئيس باراك أوباما وحزبه الديموقراطي بنتيجة الانتخابات التشريعية النصفية؟ كمُّ ضخم من المؤشرات لا يدع مجالاً كبيراً للشك في أن الاجابة، التي من شأنها أن تحدد مدى فاعلية الحكومة في التعامل مع تحديات الاقتصاد الأميركي، من بطالة وعجز مالي وديون سيادية خطيرة تهدد الاقتصاد العالمي والاستثمار الأجنبي في العامين المقبلين على أقل تقدير، يجب أن تكون بالنفي. ولا يمكن التقليل من فداحة الخسارة ووقعها على الحزب الديموقراطي. فقد أعادت للجمهوريين سيطرتهم على مجلس النواب بغالبية حاسمة وقلصت بحدة هامش الأكثرية التي احتفظ بها الديموقراطيون بصعوبة بالغة، بفضل ما اعتبره محللون مساندة قوية فاعلة جاءت بما يزيد على 30 جمهورياً من المحافظين المتشددين أعضاء «حزب الشاي،» إلى مبنى الكابيتول (الكونغرس). لكن فداحة الخسارة لا تعود إلى أنها جاءت بعد أقل من سنتين على انتصار كاسح حققه حزب منهك بقيادة أول رئيس من أصل أفريقي في تاريخ الولاياتالمتحدة. أو هذا على الأقل ما جزم به الرئيس أوباما الذي نفى بشدة وحزم ما ردده الكثير من الجمهوريين، بخاصة أعضاء حزب الشاي، المفعمين بنشوة النصر، عن أن نتيجة التصويت تعني أن الناخبين قرروا استعادة الثقة التي منحوها له ولإدارته. والأهم أن نتيجة التصويت لم تكن مفاجئة للرئيس أوباما بل أكدت له، كما اعلن في مؤتمر صحافي الأربعاء، صِدق ما سمعه من الناخبين في طول البلاد وعرضها في الشهور الماضية وعزاه إلى بطء الانتعاش الاقتصادي وارتفاع معدل البطالة. وأضاف: «الناس محبطون بشدة إزاء وتيرة انتعاش اقتصادنا والفرص التي يأملون بتوفرها لأبنائهم وأحفادهم. إنهم يريدون عودة الوظائف بسرعة أكبر». ولا ينحصر الإحباط في الناخب الأميركي بل يطاول الاقتصاد العالمي والاستثمار الأجنبي. فإذا كانت أزمة المال والاقتصاد التهمت 15.7 تريليون دولار من ثروات الأميركيين في فترة زمنية قياسية (12 شهراً) فإن الاقتصادات الصاعدة ليست راضية عن حمل عبء الاقتصاد العالمي بمفردها كما أن الاستثمار الأجنبي قلق على مصير استثماراته الأميركية التي بلغت حصتها من خسائر الأزمة 1.6 تريليون دولار ما خفض قيمتها إلى 21 تريليوناً عام 2009. وثمة مؤشرات إضافية تؤكد أن إدارة أوباما توقعت نتيجة التصويت وتحوطت لها في وقت مبكر. وخاطب بعض هذه المؤشرات ذات المغزى شرائح مؤثرة من الناخبين هالها تملك الحكومة حصصاً سهمية ضخمة في عمالقة شركات صناعة السيارات ومؤسسات الرهن العقاري والتأمين، واعتبرته انحرافاً ايديولوجياً، بينما خاطب البعض الآخر عموم الناخبين مستهدفاً في شكل خاص، العجز المالي والدين السيادي خصوصاً. ففي هذا الاطار شهدت الشهور الأخيرة لقاءً غير معلن وصف «بالتصالحي» عقده الرئيس أوباما مع أساطين قطاع المال (وول ستريت)، تبعه مباشرة تسليط وزارة الخزانة ضوءاً إعلامياً يعتبر سابقة، على خطط تسريع خطوات تسييل حصصها السهمية وكذلك على جهودها الحثيثة لخفض، ليس كلفة برامج الانقاذ الاقتصادي والمالي التي يعارضها الناخبون بقوة فحسب، بل أيضاً عجز الموازنة المالية وبالتالي الدين السيادي. ولا يبدو أن المصادفة المحضة كانت وراء إصدار وزارة الخزانة قبل فترة وجيزة من موعد الانتخابات النصفية، بياناً حمل بشرى خفض الانفاق على ثلاثة من برنامج الانقاذ المرتبطة بأزمة المال بما يبلغ 242 بليون دولار. وسبق ذلك قليلاً، الاعلان عن خفض عجز موازنة السنة المالية 2010 بمقدار 177 بليوناً. كما أن عجز موازنة السنة المالية 2011 يسير في اتجاه الانخفاض من 1.6 تريليون دولار إلى أكثر قليلاً من تريليون دولار. وفي حال أصاب محللون كثر في اعتقادهم بأن الأجندة الاقتصادية المالية التي كشف عنها الجمهوريون، تتركز في هدفين أساسيين يتثملان في خفض الانفاق الحكومي وتوفير فرص عمل، على رغم أنها تشمل أيضاً الكثير من المطالب المشكوك في إمكان تحقيقها مثل إبطال قانون الرعاية الصحية، فمما لا شك فيه أن إدارة أوباما تأمل من خلال الاجراءات التحوطية التي اتخذتها في وقت مبكر، قيام تعاون مثمر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. ولافت أن أوباما تطرق إلى معظم هذه الاجراءات (المؤشرات) قبل أن يعلن في مؤتمره الصحافي المشهود أن حكومته لن تميز في الفترة المقبلة بين ما هو ديموقراطي وما هو جمهوري، عندما يتعلق الأمر بأفكار قابلة للتحقيق تعالج التحديات التي يواجهها الاقتصاد الأميركي ابتداء بالبطالة وانتهاء باعتمادات المشاريع خارج الموازنة التي اعترف بأنها واحدة من المسائل الانفاقية التي يشترك مع الجمهوريين في معارضتها. وبدأ أوباما انفتاحه على الشريك الجمهوري باتصال ترحيب وتهنئة أجراه مع رئيس الأقلية في مجلس النواب جون بونر، المتوقع أن يتبوأ رئاسة المجلس في دورته الجديدة التي تبدأ في كانون الثاني (يناير) المقبل. وفي تعليقه على المكالمة قال النائب الجمهوري: «تباحثنا في العمل معاً على أولويات الشعب الأميركي: خفض الانفاق (الحكومي) وتوفير وظائف». وأضاف: «نأمل في أن يبقى على استعداد للعمل معنا على هذه الأولويات». ولم يتعامل أوباما مع الشريك الجمهوري بذراعين مشرعتين. فعلى رغم التشديد على توافر الكثير من مجالات التعاون بين الكونغرس والحكومة مثل إصدار قانون جديد للطاقة، أكد بحزم معارضته لأي محاولة تستهدف إبطال قانون الرعاية الصحية، الذي يعتبره وقانون إصلاح قطاع المال، أهم إنجاز لادارته، وإن كان أبدى استعداداً صريحاً لتعديل بند الاجراءات الضريبية الخاص بالشركات الصغيرة. وما لم يتضح بعد مصير شأن يرتدي أهمية محلية، لكنه قد ينعكس سلباً على الاستثمار الأجنبي من طريق زيادة الدين السيادي، هو مسألة تمديد الخفوضات الضريبية التي ورثتها إدارة أوباما عن سابقتها وينتهي مفعولها بنهاية العام الجاري. ففي حين وعد الرئيس الأميركي بالامتناع عن تجديد هذه الخفوضات السخية والمكلفة باستثناء المواطنين الذين يقل دخلهم السنوي عن 250 ألف دولار، يطالب الجمهوريون بتجديد لا يستثني أحداً.