دعا وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لشؤون المعاهد العلمية الدكتور أحمد بن يوسف الدريويش التربويين إلى تنمية الأخلاق الفاضلة في الطلاب والطالبات، مؤكداً أن حب الوطن وصدق الانتماء إليه والذود عنه بالنفس والنفيس من المشتركات المجمع عليها عند كل العقلاء، لا فتاً إلى أنه لا صحة لانتماء فاقد الولاء كونهما من القضايا الجوهرية المتلازمة.وأوضح الدريويش في محاضرة له ألقاها أمس في الدورة تناول فيها قضية المواطنة الصالحة بين المفهوم والمقومات، مبيناً أن العلاقة بالوطن من الأمور الفطرية التي لا تحتاج إلى أدلة وبراهين، مشيراً إلى أن مواصفات المواطنة الصالحة الالتزام بأنظمة الدولة وكل ما يصدر من ولي الأمر من قرارات وتعليمات وتوجيهات، مثمّناً للدولة السعودية ما غرسته من قيم العقيدة الإسلامية الراسخة والحفاظ على هوية التوحيد كما نزلت على رسول الله نقية من الشرك والشكوك. وأكد الدريويش أهمية التزام المواطن بحقوق ولي الأمر وأهمها السمع والطاعة، والنصح له، ولزوم الجماعة، وتبني الفكر الوسطي كونه من أبرز خصائص الدين، واصفاً المواطن السعودي ب «المسلم الصالح» متى ما التزم بسلامة الفكر واستقامة السلوك، ولا فتاً إلى أن تحقيق المواطنة الصالحة ينعكس إيجاباً على أمن المجتمع واستقراره. وتواصلت أمس أعمال دورة «الأمن الفكري»، في يومها الثاني بتقديم ورقتي عمل استعرض في الأولى منهما الدكتور سعيد آل ثابت أساليب الفئة المنحرفة في إضلال الشباب وطرق الوقاية والعلاج، واصفاً الفئة الضالة ب «الميكيافيلية» كونها تأخذ بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، موضحاً أن أخطر الأساليب تتمثل في بث الشائعات والترويج للدعايات المضللة لصغار السن والجهلاء من العامة والتغرير بهم، ومحذراً من خطورة اختلاط الشباب بأهل البدع سواء من طريق الاتصال المباشر بهم أو السفر معهم أو التتلمذ على أفكارهم عبر الشريط والكتيب والموقع الإلكتروني، مفيداً بقدرة بعض منظّري الفكر الضال في التحكم في العقليات وغسل الأدمغة، وترسيخ التهم الباطلة في أذهانهم لإحداث الوقيعة بين الشباب والعلماء ومنها وصف العلماء بالخونة، وتقديم الفتاوى والأفكار من صغار سن أغرار لا يفقهون من أمر الدين شيئاً مذكوراً. وعدّ آل ثابت بث روح اليأس والقنوط والإحباط في الشباب من أخطر الوسائل، وأشدها فتكاً بالفرد كونها تغلب عليه روح التشاؤم والشعور بالمرارة ونقص الكفاءة والفعالية، وخفض مستوى الروح المعنوية، وانعدام الأمل في المستقبل إضافة إلى نزعة إلى الشعور بالذنب والدونية والانتقاص من قدر الذات، ما يجعل من الشاب فريسة سهلة للتأثر بأفكار ومعتقدات مشوهة ومتطرفة من أجل تغيير الواقع، مشبِهاً الشاب بالمتلقف للسوء من دون وعي بسبب يأسه وإحباطه. وأضاف آل ثابت أن الوقاية من الانحراف الفكري تمر بمرحلتين تتمثل الأولى في منع ظهور هذه الأفكار الضالة وهذا ما يعرف بالعلاج الوقائي عندما يعمل مجتمعنا على تحصين أبنائه من مثل هذه الأفكار الضالة وفق ما اصطلح عليه «باب سدّ الذّرائع»، داعياً إلى امتثال التربية السليمة في مقابل التربية الفاسدة وترسيخ العقيدة الصّحيحة في نفوس النشء مؤملاً أن يتحقق التكامل بين مؤسسات التربية كونها مسؤولية مشتركة بين الأسرة ودورها في التنشئة والمسجد ودوره التوجيهي والمؤسسات التعليمية والمؤسسات الإعلامية (رجال الثقافة والفكر)، لا فتاً إلى أن من حق الدولة أن تقيم العقوبات (التعزير) لقمع الفكر الضال بعد تعريته ودحضه بالحقائق لإقامة الحجة عليهم. من جهته، أرجع عميد المعهد العالي للقضاء الدكتور عبدالرحمن المزيني أسباب الانحراف الفكري إلى الغلو والتقصير والجهل واتباع الهوى وتلبيس الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء والاختلاط بأهل البدع، مبيناً أن أبرز شبهات الفئة الضالة يتمثّل في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، ظناً منهم وتأولاً أن قتلهم هو وسيلة مثلى لإخراجهم، مورداً أدلة عدة تدحض زعمهم، منها أن المراد بمنع اليهود والنصارى من جزيرة العرب إنما هو استيطانها والإقامة الدائمة بها، لا الدخول مدة معينة بالعهد أو الأمان، مؤكداً أنه لا خلاف بين أهل العلم في جواز دخول المعاهدين والمستأمنين والذميين الحجاز التي هي جزيرة العرب، وإنما اختلفوا في مدة مقامهم، فكيف يقال بمنعهم من دخول غير الحجاز بغير نية استيطان أو إقامة، مضيفاً أن جزيرة العرب مختلف في تحديدها، فمن أهل العلم من يحدها من بحر القلزم «الأحمر» غرباً وبحر العرب جنوباً وخليج البصرة «الخليج العربي» شرقاً، واختلف أصحاب هذا القول في شمالها وهو المشهور من مذهب مالك وقول أبي حنيفة، ومنهم من يحددها بالحجاز إلى تبوك وهو قول الشافعي وأحمد في المشهور عنه رواية عن مالك وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، واستدلوا على ذلك بأن عمر رضي الله عنه لم يخرجهم من اليمن وتيماء، فعلى هذا القول تكون الكويت والأحساء ونجد ليست من جزيرة العرب. ولفت إلى أن الحديث لو صح بمفهومه كما يظنون لكان المراد بالحديث عدم جواز دخولهم جزيرة العرب مطلقاً، من دون إباحة إخراجهم منها من طريق القتل بعد أن أعطوا العهد، مشيراً إلى أن الإخراج منوط بالحاكم لا بآحاد الرعية، كالحدود والجهاد وغير ذلك فلا يُفتئت عليه فيها. وعدد المزيني آثار الانحراف متمثلة في إثارة الفتن، والتضليل والتغرير بالنشء، وسيادة العنف، وشيوع الجريمة وانتهاك الحقوق، وإثارة الشبهات وإخراج النصوص الشرعية عن سياقها، وعدم تقدير استجلاب المصلحة ودرء المفسدة والفهم الخاطئ لمفهوم الوطنية، واتّباع المشتبهات والإعراض عن المحكمات، والإفتاء بغير علم وتكفير المجتمع من خلال تحريف المفاهيم والمعتقدات.