قدمت المحكمة العليا البريطانية فرصة «على طبق من ذهب» إلى معارضي الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ليعملوا على عرقلة خطط رئيسة الوزراء تيريزا ماي لتفعيل المادة 50 من المعاهدة الأوروبية وإطلاق مفاوضات لانفصال تام عن الاتحاد. وردت المحكمة العليا أمس، طعناً قدمته الحكومة على حكم سابق قضى بضرورة تصويت مجلس العموم (البرلمان) البريطاني على «بريكزيت»، وقررت المحكمة بذلك أنه لا يمكن رئيسة الوزراء استخدام سلطاتها التنفيذية لبدء محادثات الخروج، من دون نيل موافقة المشرعين. وبالتالي، أعلن ديفيد ديفيس الوزير المكلف شؤون «بريكزيت»، أن الحكومة ستقدم «في أيام قليلة مقبلة» مشروع قانون في هذا الشأن، وأبدى ثقته بأن القانون «سيتم تبنيه في الوقت المناسب» لتفعيل المادة 50 من معاهدة الاتحاد الأوروبي قبل 31 آذار (مارس) 2017، وهو الموعد الذي حددته ماي لبدء العملية. كما أعلنت مالطا التي ترأس الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، أنها تبلغت من لندن التزام الحكومة البريطانية بهذا الموعد. وفي مداخلة أمام البرلمان، أكد ديفيس أن لا عودة عن «بريكزيت»، محذراً المشككين من مغبة مواجهة غضب الجمهور إذا حاولوا استغلال الحكم القضائي لتعطيل عملية الانسحاب من أوروبا. وقال رئيس المحكمة العليا لورد ديفيد نوبرغر، إن القرار اتخذ «بموافقة 8 في مقابل 3» من أعضائها ال11، بأنه «لا يحق للحكومة تفعيل المادة 50 من دون موافقة البرلمان». في الوقت ذاته، رفضت المحكمة إعطاء البرلمان الاسكتلندي والبرلمانين المحليين في مقاطعتي إرلندا الشمالية وويلز، الحق ذاته في التصويت على «بريكزيت». وتخوفت الحكومة من أن يستغل المناهضون للانسحاب من الاتحاد الأوروبي قرار المحكمة العليا لتعطيل العملية، على أمل الدفع نحو إجراء استفتاء ثان على تفاصيل الانسحاب، الأمر الذي لمح إليه رئيس حزب «الديموقراطيين الأحرار» المعارض تيم فارون، فيما يعتزم «الحزب الوطني الاسكتلندي» تقديم سلسلة تعديلات على المشروع الحكومي الخاص بالانسحاب، بهدف دفع تيريزا ماي إلى التراجع عن خطتها الانسحاب من السوق الأوروبية المشتركة التي تشكل انفصالاً تاماً بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. وأكد زعيم حزب العمال المعارض جيريمي كوربين، أنه لن يعمل على عرقلة الانسحاب «احتراماً لرغبة الشعب التي عبر عنها بنتيجة الاستفتاء في 23 حزيران (يونيو) الماضي، لكن مؤيدين للبقاء في السوق الأوروبية المشتركة يراهنون على دعم نواب عماليين موالين لهم لعرقلة خطط الحكومة الانسحاب من السوق المشتركة. وتتمتع حكومة المحافظين بغالبية كافية في البرلمان لتمرير مشروع قانون الانسحاب، لكن معارضيها يراهنون على تعطيل خطط ماي لتنفيذ ما وصف ب «الانفصال الصعب»، وإبدال انفصال «سلس» بها يضمن استمرارية تسهيلات تتعلق بوضع بريطانيا في السوق الأوروبية المشتركة، من دون التضحية بهذه الوضعية، في سبيل كبح جماح الهجرة من شرق القارة، وهو الأمر الذي تتفق غالبية البريطانيين على ضرورة وقفه. يضاف ذلك إلى جدل مبدئي حول مدى ديموقراطية إجراءات تنفيذية تتخذها الحكومة للمضي في تحديد مصير العلاقات مع أوروبا في المدى المنظور من دون العودة إلى المشرّعين، في حين جادل القضاة بأن خطة الحكومة ستحدث تحولاً في مصادر تشريع جرى اعتمادها في ظل القوانين الأوروبية، ما يُعتبر بمثابة تعديلات قانونية.