في انتقاداته لحكومة رئيس الوزراء الإسباني لويس ثاباتيرو، لم يجد الحزب الشعبي الإسباني في القلاقل المدنية التي اندلعت في مليلية المحتلة، غير وصف هوامشها الفقيرة التي تأوي السكان المغاربة بأنها الأشد هشاشة بين كافة المدن الأوروبية. لم يرتفع اي صوت إسباني ليعلن أن الاستخدام المفرط للقوة الذي لجأت إليه الحكومة المحلية مدعومة بتعزيزات أمنية من سلطات مدريد، لتفريق متظاهرين يطالبون بالحق في العمل، لا يتفق مع احترام حقوق الإنسان. هناك أدلة قوية على ان السكان المغاربة انتفضوا ضد التهميش والانتقائية في خطة التوظيف التي تقتصر على الرعايا الإسبان في مليلية المحتلة، وهذا في حد ذاته مبرر كاف لجهة استمرار نوع من التمييز في التعاطي مع انشغالات السكان، لا فرق في ذلك بين المقيمين في المدينةالمحتلة، وبين زائريها المغاربة. ولعل الأزمة الأخيرة التي نشأت بين الرباطومدريد حول مآسي مهاجرين مغاربة لم تكن اكثر من صرخة إنذار. ففي النهاية ليست المظاهرات التي جابت شوارع مليلية بمعزل عن تداعيات استمرار الاحتلال الإسباني، وإن اتخذت طابع الاحتجاج الاجتماعي. لم يعد ملف المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية يخص العلاقات المغربية - الإسبانية المتأرجحة بين المد والجزر، فقد استطاع البلدان، على رغم كل الأزمات الطارئة، الخروج من عنق الزجاجة بأقل قدر من الخسائر، سيما ان حكومة الاشتراكيين الإسبان تدفع في اتجاه الانفتاح والتفاهم، وإن لم ترضخ لشروط المغاربة في بدء حوار هاديء حول هذه القضية. وعلى الضفة الأخرى يبدو الحزب الشعبي الإسباني أكثر مغالاة في صد الباب امام اي حوار مغربي - إسباني، بدليل أن زعيمه رومانو رخوي زار المدينتين المحتلتين مرتين في ظرف وجيز. بينما لم تنس الرباط لرئيس الوزراء الأسبق ماريا ازنار المحسوب على تيار المحافظين المتشددين انه كان وراء اندلاع أزمة جزيرة ليلى غير المأهولة في ربيع 2002، ولعل انتقال المواجهة الى داخل المدينتين يشير الى تطور جديد. في الوقت الذي ترى فيه السلطات الإسبانية أن اندلاع التظاهرات كان امتداداً لمظاهر الأزمة الاقتصادية التي ضربت العمود الفقري لإسبانيا مثل غيرها من الدول الأوروبية، تذهب تحليلات الى ان الروابط الأسرية والعلاقات المتشابكة بين سكان المدينتين وذويهم في المنطقة المحاذية للثغرين السليبين، أثرت في توجيه أحداث الغضب الشعبي المستند الى خلفيات سياسية. هذا الانفلات الذي يضع حكومتي الرباطومدريد امام اختبار عسير لن يتم من دون انعكاسات، ذلك ان وزيرة الخارجية الإسبانية الجديدة ترينيداد خيمينيث باتت تواجه ضغوطاً متعددة، وهي تقف بين مؤاخذات المعارضة وتزايد طلبات المغرب في فتح حوار جدي. فقد كان سلفها ميغيل موراتينوس يجيد لعبة الوفاق، يغضب معارضة بلاده وجيرانه في الوقت ذاته. وحين يرى ان الأمر في طريقه الى الانفجار يهتدي دائماً الى وصفة التهدئة التي تبقي على الباب نصف موارب. لكن خيمينيث التي تمرست في العلاقات الخارجية داخل الحزب الاشتراكي في حاجة الى نفس أطول لاحتواء شظايا الأزمة التي تكاد تخرج عن السيطرة. الراجح أن إعلانها ان الرباط ستكون أول محطة في زيارتها الى الخارج، لا يكرس تقليداً متوارثاً في السياسة الإسبانية فقط، وإنما يشير الى رغبة في طرق كل الأبواب. فالمغاربة ايضاً يشاركون الإسبان في ان علاقات البلدين لا يجب ان تتحول الى ورقة انتخابية. وإذا كان لا بد من الإذعان الى الضغوط القائمة بهذا الصدد، فلا أقل من أن تتحول تلك الورقة الى البحث عن مخارج للأزمات، وليس زيادة التوتر، غير ان السياسة الآن باتت تمارس في ساحة الميدان وليس في الغرف المكيفة. وهذا تطور جديد يبدو قابلاً للاحتواء بقدر أكبر من التفاهم وتصرف أقل من التصعيد وفرض الأمر الواقع.