انتقد مختصون في مجال سوق العمل أنظمة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية التي فتحت الباب أمام القطاع الخاص للتخلي عن الموظف السعودي بسبب أو من دون سبب، وطالبوا الوزارة بالتدخل السريع للحد من استغلال مواد نظام العمل التي تتيح لأصحاب الأعمال تسريح العمال من دون أسباب، وذلك بتعليق تطبيق المادة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وإيجاد ضوابط تفسيرية دقيقة في حال تطبيقها، ودعوا إلى عقد اجتماع سريع مع الأطراف ذات العلاقة لإجراء التعديل. وحث المختصون في حديثهم ل«الحياة» أصحاب الأعمال على التريث قبل اتخاذ مثل تلك الخطوة، والاهتمام بتدريب العامل أو التفاوض معه لإنقاص أجره في ظل الأزمات الاقتصادية التي تواجهها بعض الشركات، مشددين على ضرورة قيام الموظفين السعوديين بواجباتهم على النحو المطلوب. واكتفت وزارة العمل بالرد على حالات فصل السعوديين أخيراً بتغريدة من المتحدث باسم الوزارة خالد أبا الخيل، رد فيها على قضية فصل 1200 موظف سعودي من إحدى الشركات الكبرى، قال فيها: «وزارة العمل والتنمية الاجتماعية أوقفت إنجاز معاملات وخدمات المنشأة في نظام خدمات الوزارة لحين التحقق من القضية». وحاولت «الحياة» التواصل مع المتحدث، غير أنها لم تستطع - حتى إعداد هذا التقرير - الحصول على إجابات حول قضايا فصل الموظفين السعوديين من شركات القطاع الخاص بموجب المادتين 77 و78 من نظام العمل الجديد. وقال رئيس اللجنة التأسيسية لاتحاد اللجان العمالية نضال رضوان: «نظام وزارة العمل قدم الفرصة للقطاع الخاص على طبق من ذهب، ليتم التخلي عن الموظف السعودي بسبب أو من دون سبب، إذ أساء عدد من منشآت القطاع الخاص استخدام المادتين 77 و78 من نظام العمل لفصل السعوديين». وأكد أن نظام العمل الأخير فتح الباب على مصراعيه بإعطاء الحرية لأصحاب العمل بالتخلص من المواطن وتسريحه بثمن بخس ومن دون تعويض يذكر، على عكس الوضع في السابق، إذ كان القضاء العمالي يقف في صف المواطن المفصول ويقدّر حجم الضرر الذي يصيبه جراء الفصل وينصفه، سواء بالتوجيه بإعادته للعمل أم بتعويضه التعويض المادي المناسب وفق الضرر المادي والمعنوي الذي لحق به. ولفت رضوان إلى أن الوضع هذا تبدل الآن مع النظام الجديد الذي أعطى الشركات كل الوسائل النظامية للإلقاء بابن البلد في الشارع، مشيراً إلى أن اللجنة التأسيسية كانت من أوائل الذين عارضوا مسودة النظام قبل أن يعلن عنه ويأخذ مساره في مجلس الشورى، وحذّرت من هذه الخطوة وإساءة استخدام النظام للإضرار بالمواطنين، غير أنه لم يُنظر إلى تحفظها، بل إن مجلس الشورى مررها بشكل غريب من دون أن ينتبه أعضاؤه خلال الدورة الماضية إلى خطورتها وتبعاتها على المجتمع والاقتصاد السعودي. وشدد على أن مجلس الشورى له الحق في إيقاف العمل بهذه المواد وتعديلها بعد إعادة درسها مرة أخرى، حتى بعد إقرارها بشكل رسمي، باعتباره حلاً سريعاً الآن للحد من النتائج السلبية المتوقعة في الفترة المقبلة، في ظل أن المفصولين بموجب هاتين المادتين يعتبرون مفصولين نظامياً، وليس لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية الحق في مخالفة ومساءلة أصحاب الأعمال الذين يستخدمون هذه المواد من النظام لتحقيق مصالحهم الخاصة، ولو على حساب المصلحة العامة. وبيّن رضوان أنه لا يمكن توجيه اللوم لأصحاب الأعمال في تطبيقهم للأنظمة طالما أنها موجودة، إنما نلوم من سمح بوجود مثل تلك الأنظمة التي تتيح لصاحب العمل تطبيقها من دون أن تكون عليه أي تبعات قانونية. وزاد: «مجلس الشورى هو الجهة صاحبة القرار في تعديل المادتين 77 و78 من خلال الاجتماع بأطراف العمل الثلاث (صاحب العمل والعامل والجهات المشرعة الحكومية)، للاستماع لآراء ومقترحات كل طرف ليعاد دراسة تلك المواد بما يحقق المصلحة للجميع من دون أن يُبخس حق أي منهم، والوصول إلى تصور واضح حول الحالات التي يتم من خلالها إنهاء التعاقد مع العامل من دون تعسف، وكذلك تحديد طرق تعويض العامل المفصول». وأشار رضوان إلى أن البعض بدأ يستغل الأنظمة للإضرار بسوق العمل من دون النظر إلى الحلول الأخرى المتاحة، مثل التدريب وإعادة التأهيل وتكليف العامل بأعمال أخرى، أو حتى المفاوضة على تعديل الأجور، إذا كانت الشركة تمر بضائقة مادية أو تعثر العمل، في مقابل أن يكون ذلك بتعويض مالي مجزٍ يدفعه صاحب العمل، فعندما تكون هناك كلفة عند الاستغناء عن الموظف سيفكر صاحب العمل أكثر من مرة قبل اتخاذ القرار، كما يحمي ذلك العامل وأسرته والمجتمع. وطالب رضوان العاملين بالتركيز في زيادة الإنتاجية والالتزام بالعمل، وهو بالأساس مطلوب منهم، باعتباره من واجبات العمل، وتلافي القصور والغياب بما يخدم مصلحة العمل، وهو بالفعل ما كان في ذهن مشرّع القرار قبل اتخاذه، إلا أنه لم يستقرئ المستقبل وما قد يستجد من ظروف اقتصادية تجعل التسريح من العمل حقاً مكتسباً للشركات في الأوقات ودورات الصعبة التي قد تمر بها الحال الاقتصادية في المملكة، باعتبارها ليست بمعزل عن العالم وهزاته الاقتصادية. وعلى رغم أن رضوان توقع أن يزداد الأمر سوءاً خلال السنوات المقبلة في ظل تنامي أعداد طالبي العمل خلال السنوات المقبلة، ومحدودية الفرص، وضبابية المشهد الاقتصادي السعودي، إلا أنه شدد على ضرورة إنشاء اتحاد للجان العمالية للدفاع عن مصالح العمال بالتعاون مع الشركاء الاجتماعيين لخدمة بيئة الأعمال والاقتصاد السعودي. وأوضح أن هذه اللجان ستعمل على مساعدة صاحب العمل على تحسين بيئة العمل ورفع إنتاج العمال ورفع مسألة الصحة والسلامة المهنية، ما ينعكس إيجاباً على إنتاج الموظف وأرباح الشركات في القطاع الخاص، وهو مطلب الجميع. من جانبه، علق المستشار القانوني بندر العمودي على أن المادتين 77 و78 واللتين تتيحان للشركات فصل موظفيها من دون أسباب تحتاج إلى تفصيل أكثر، كون المادتين لم تفصلا في لوائح تنفيذية واضحة تشرح كل مادة بالتفصيل، وهي أحد جوانب القصور من المُنظم، ما ينتج منها تضرر العامل أو صاحب العمل من خلال تفسير كلا الطرفين تلك الأنظمة وفق وجهة نظره ومصلحته الشخصية. وطالب العمودي وزارة العمل بتعليق تطبيق هذه الأنظمة، خصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة حتى تستقر، أو يسارعوا في تفسيرها ووضع الضوابط المقننة بشكل تفصيلي لها، حتى لا تتم إساءة استخدامها. ولفت إلى أن الموظف السعودي هو الطرف الأضعف في مثل هذه الممارسات، إذ إن تبعات الاعتراض على تطبيق تلك الأنظمة تدخله في دوامة المطالبات الحقوقية عن الهيئات العمالية الابتدائية والاستئنافية، والتي تستغرق عادة ما بين السنة إلى السنتين، بعدها يدخل الموظف في معضلة تنفيذ الحكم القضائي في حال إفلاس الشركة وإجبارها على تسديد المستحقات العمالية، ما يعطله عن الالتحاق بعمل آخر الشيخ يشدد على التعويض المناسب عن إنهاء الخدمات اقترح عضو مجلس الشورى الدكتور سعيد الشيخ على وزارة العمل ومجلس الشورى إعادة النظر في المادة 77 من النظام الجديد، وقال: «المادة منحازة لجهة العمل على حساب الموظف، وتخل بمبدأ التوازن، وأن الموظف هو الحلقة الأضعف في العلاقة التعاقدية». وأكد ضرورة أن يكون تعويض إنهاء الخدمات مناسباً لسنوات الخدمة، لاسيما وأن المادة تمنح الموظف تعويضاً قدرته 15 يوماً عن كل سنة عمل في الشركة. في حين رأى المحامي طارق الشامي أن المادة 77 حددت مقدار التعويض والذي كان متروكاً للتقديرات في السابق، وقال: «المادة أقرت مقدار التعويض للموظف المراد إنهاء خدماته، وهذا أفضل من النظام السابق، والذي ترك أمر تحديد التعويض للموظف مفتوحاً».