هناك مشكلة في مفهوم ثقافة الماسنجر وأصول التعامل معه عند كثيرين، فالجميع يعتقد بأن الماسنجر متاح أو يتيح لأي كان كل شيء وأي شيء بكل سهولة. لست أدري ما سبب تغافل الجميع عن تفهم كون الماسنجر ما هو إلا وسيلة للاتصال السريع والرخيص لا تختلف أبداً عن الهاتف (الثابت) والهاتف النقال اللذين لا نستخدمهما إلا للضرورة. أي أنه ليس استخداماً مشاعاً ولا متاحاً لكل من هب ودب.ربما كان سوء استخدام البعض لهذه الوسيلة أدى الى انتشار الفهم الخاطئ والثقافة السلبية بين مستخدميه، فالماسنجر مختلف كلياً عن غرف الدردشة التي لا يستخدمها غير المراهقين وأصحاب العقد النفسية والكبت المجتمعي. سألت صديقاً وأنا أشكو له امتعاضي جراء تطفل «البعض»، فأخبرني أن هؤلاء «البعض» وبمجرد رؤية اسم الشخص متاحاً بلون أخضر فهم بذلك يعتقدون سلفاً بأنه كمن افترش الطريق أمام داره ودعا الجميع الى الجلوس معه للتسامر. غريب حقاً. لكن وجود الشخص على الماسنجر ما هو إلا كالهاتف النقال عندما يكون مفتوحاً ليستقبل المكالمات الواردة والمهمة، ولا يعني ذلك أن يعمل الهاتف برنات متواصلة أو بخط مفتوح، ولا يعني أيضاً أن نرد على أرقام مجهولة الهوية، ولا يعني أننا تحولنا موظف استقبال اتصالات فقط. فهل يجب أن نكون على أهبة الاستعداد ومتفرغين تماماً لأي اتصال وارد في كل الأوقات؟ تساؤل مهم يخطر ببالي: هل لأن الهاتف الأرضي أو النقال يعملان مقابل مبلغ مالي كفاتورة أو بطاقات الدفع المسبق، فهذا هو الأمر الوحيد الذي يكبح مستخدميهما عن التعامل العشوائي؟ لنفترض جدلاً أن شركة الاتصالات أطلقت حملة الاتصال المجاني لفترة ما، فهل يعني ذلك أننا سنتعرض لفوضى اتصالات عشوائية ممن نعرف وممن لا نعرف؟ إلى أي كارثة ثقافية وصلنا؟ هل نحتاج في مدارسنا لمناهج تختص بالاتيكيت والسلوك الإنساني ومناهج خاصة تواكب الثقافة التكنولوجية التي نعيشها الآن؟ سمعت تعليقاً ذات مرة يقول إن الناس من كثرة متابعتهم التلفزيون والمسلسلات بدأوا يظنون الدنيا مجرد تلفزيون كبير ولهم كامل الصلاحية في متابعة أحداثه عن كثب من دون استئذان أو حتى مراعاة لمشاعر الآخرين وخصوصيتهم. هل انتشار برامج الواقع أدى الى اعتقاد الناس وتعاملهم مع الماسنجر على سبيل المثال بهذه الطريقة الغريبة؟ الماسنجر وسيلة سريعة ومريحة للتواصل المستمر بين الأهل والأصدقاء المقربين جداً ولضرورة عمل ملحة جداً وفقط. ولتضعوا بليون خط تحت كلمة فقط، مع العلم أنني لضرورات العمل أنزع الى التواصل عبر الإيميل برسائل مكتوبة. لا يعني، على سبيل المثال، أن فلاناً قريبي إذاً لا بد من إضافته. عائلتي يبلغ تعدادها ستة آلاف فرد، فهل من المنطق أن أقوم بإضافتهم جميعاً؟ بالتأكيد وقطعاً الإجابة هي لا. قد نضيف فرداً أو اثنين لشدة تميزهم فيكون التواصل حينها إثراء اجتماعياً وثقافياً. ولا يعني أن فلاناً توصل الى معرفة بريد إلكتروني عبر رسالة عامة على الشبكة العنكبوتية أن يقوم، بالضرورة، بإضافة صاحب البريد لمجرد تعارف أجوف. فطبيعة عملنا كصحافيين، مثلاً، تجعل من السهولة معرفة بيانات التواصل معنا، وما هي معلنة إلا من أجل التواصل الهادف لعمل على سبيل المثال، أو لدعوة صحافية، أو لتكليف ما. أيضاً لا يعني كونك زميل عمل أن تفرض نفسك عنوة من دون استئذان. لا أدري كيف لأحدهم أن يبدأ في مخاطبة شخص ما والتحاور معه وفرض ذاته على فراغ المساحة قبل أن يعرف طبيعة الشخص وطريقة تفكيره وما يناسبه وما لا يناسبه، وإن كانت هناك مساحة متاحة له أصلاً أم لا. قد يقول عبقري زمانه: من الأفضل أن يكون أيميلك سرياً. وقد يقول آخر لا تكوني في وضع متاح أو ضعي رسالة شخصية تفيد بانشغالك. أو لا تستخدمي الماسنجر ما دمتِ منزعجة منه. لكل هؤلاء أقول لا شأن لكم وما زلتم تتدخلون في ما ليس من شأنكم.