لا تزال الرياح تهب رخاء على «أوبك» التي اعتمدت سريان خفض إنتاجها بمقدار 4.2 مليون برميل يومياً لتتحسن الأسعار تدريجاً من 33 دولاراً للبرميل ليبلغ متوسطها اليوم ما بين 75 و80 دولاراً وهو السعر الذي تعتبره المنظمة سعراً عادلاً يحقق الاستقرار لإيرادات النفط التي تضخ الأموال في عروق اقتصادات وموازنات الدول المنتجة للنفط وفي مقدمها بالطبع أعضاء «اوبك» على رغم أن بعض أعضائها يخرج على الحصص المقررة له. هذا الارتياح بقبول سعر برميل النفط عند المستوى أعلاه عكسه وزير البترول والثروة المعدنية السعودي المهندس علي ابراهيم النعيمي عندما قال قبل عقد الاجتماع الوزاري ال 157 للمنظمة في العاصمة النمسوية فيينا (إن السعر بين 70 و80 دولاراً للبرميل هو مثالي) وأضاف (أن السوق متوازنة بصورة جيدة جداً والجميع سعيد بالسوق وأشعر بارتياح إزاء النمو الاقتصادي). لا شك في أن هذا السعر الذي كسر حاجز 85 دولاراً قبل اجتماع وزراء المنظمة وحلّق فوق مستوى 84 دولاراً اليوم يعد سعراً مقبولاً على رغم ان بعض أعضاء «اوبك» تجاوزوا الحصص المقررة لهم ليسجل تجاوز بعضهم سقف إنتاجهم بحوالى 1.6 مليون برميل يومياً وفي مقدمهم نيجيريا، فنزويلا، إيران، وانغولا التي تطالب باستثنائها من الالتزام بالحصص، وعلى رغم هذا فإن الأسعار تماسكت متحدية عناد بعض الأعضاء بإنتاج كل برميل يستطيعون إنتاجه ليفعلوا كما تفعل الدول المنتجة النفطَ خارج المنظمة في ظل تعافٍ خجول للاقتصاد العالمي قد يصمد لحين وقد يتعرض لانتكاسة أو انتكاسات أخرى إذا لم تواصل كل الدول دعمها لهذا الاقتصاد العليل خصوصاً دول مجموعة العشرين التي أخذت على عاتقها إصلاح هياكل هذا النظام الاقتصادي الذي ضربه إعصار عظيم أفدح من زلزال الكساد الاقتصادي عام 1929 - 1933. وإذا كان من الوزراء الذين اجتمعوا الخميس الماضي في فيينا من شمروا عن سواعدهم وأقروا للمرة السادسة الإبقاء على سقف إنتاجهم الذي اتفقوا عليه في كانون الأول (ديسمبر) 2008 من دون تغيير، فإن السوق الدولية للنفط ستتفاعل من دون شك مع هذا القرار إيجاباً باستقرار الأسعار بل واتجاهها للصعود التدريجي خصوصاً أن «اوبك» في آخر تقرير لها تتوقع نمو الطلب على النفط لهذا العام بواقع 80 ألف برميل يومياً ليبلغ 1.13 مليون برميل يومياً، وبذا فإن «اوبك» تتوقع أن يبلغ الطلب على نفطها هذا العام 28.57 مليون برميل يومياً في المتوسط بما في ذلك العراق الذي ينتج كل برميل يستطيع إنتاجه شأنه شأن الدول المنتجة خارج «اوبك» التي زادت بالفعل إمداداتها من النفط، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية ان تبلغ الزيادة في نمو الطلب 1.5 مليون برميل يومياً تزامناً مع النمو الاقتصادي العالمي على ذمة «اوبك» والوكالة. إن بيت القصيد بالنسبة الى المنظمة هو الالتزام بسقف إنتاجها، وإذا كانت نسبة الالتزام لا تزيد على 56 في المئة بسبب التجاوزات الخطيرة التي تقدم عليها بعض الدول الأعضاء، فكيف لسفينة «اوبك» أن تبحر في بحر متلاطمة أمواجه وأعضاؤها يصنعون الثقوب في جسم سفينتهم، بضخهم حوالى مليوني برميل يومياً زيادة على إنتاجهم المقرر لهم لجني أرباح موقتة قد تؤدي إلى غرق السفينة في الأيام المقبلة وعندها يلحق الضرر الجميع وتخرج السوق عن مسارها الطبيعي وما أمثلة انهيار الأسعار في منتصف الثمانينات وأواخر التسعينات إلا أمثلة حية خرجت من رحم إغراق السوق الدولية بالنفط وبروز أزمة حرب الأسعار آنذاك. واليوم إذا كان الالتزام بسقف الإنتاج على ذمة «تريس داتا انترناشيونال» بنسبة 56 في المئة في شهر آب (أغسطس) الماضي والإنتاج الفعلي 26.8 مليون برميل يومياً بينما سقف الإنتاج الذي أقرته «اوبك» 24.8 مليون برميل يومياً فإن مليوني برميل يومياً زيادة على الإنتاج المقرر تترك السوق النفطية في مهب الريح، ودواء هذا المرض تعرفه «اوبك»، وهو الالتزام بسقف الإنتاج من قبل جميع الأعضاء على الأقل بنسبة لا تقل عن 90 في المئة. إن على «اوبك» أن تبذل الجهد تلو الجهد لإصلاح بيتها من الداخل لتستمر حياة الدجاجة التي تبيض ذهباً، وإذا كان وزراؤها راضين بسعر يحوم ما بين 75 - 80 دولاراً فإن عليهم الدفاع عنه دفاع الأبطال لجلب العوامل التي تضمن استمرار تماسك الأسعار بل وتحسنها وفي مقدمها التوازن بين العرض والطلب والتزام «اوبك» بسقف إنتاجها والحوار مع الدول خارج «اوبك» ليتضامن الجميع لخلق سوق دولية نفطية مستقرة تخدم المنتجين والمستهلكين. أما إذا استمر إغراق السوق بالبترول ليبحث عن مشترين شرقاً وغرباً فإن قطار السوق سيجد نفسه يسير على قضبان متهالكة ثم لا يلبث أن يخرج عن الطريق المرسوم ويخسر الجميع، ولا يشفع ما نقلته وكالة «رويترز» عن رئيس وكالة الطاقة الدولية الذي أكد في المؤتمر الذي عقد أخيراً عن الطاقة في لندن أن الصين أصبحت في استهلاكها الطاقة تتقدم على الولاياتالمتحدة، وأن نصف الارتفاع على الطلب على النفط جاء من الصين. لا شك في أن الصين مرشحة ومعها الهند لزيادة طلبهما على النفط وهذا أمر إيجابي، لكن في المقابل فإن نمو الطلب على النفط بحدود 1.2 في المئة يعتبر متواضعاً ولدى الدول المنتجة الكبرى فائض إنتاجي ضخم، فالسعودية أكبر منتج ومصدر للنفط لا يتجاوز إنتاجها اليوم طبقاً لسقف «اوبك» 8 ملايين برميل يومياً ولديها فائض بحدود 4 ملايين برميل يومياً، لذا فإن سفينة «اوبك» لكي تضمن مسيرتها من دون عواصف وتقطع المسافات سريعاً لتحقق نصراً بعد آخر، لا بد لها من أن تلملم صفوفها لتتغلب على كل الأجواء الملبدة بالغيوم وسط تعافٍ خجول للاقتصاد العالمي وتَوافُر مخزون تجاري كبير من النفط لدى الدول الصناعية المستهلك الرئيس للنفط. ولا شك في أن «أوبك» تدرك هذا لذا، أبقت على سياسة سقف إنتاجها من دون تغيير وأكدت على أعضائها الالتزام بحصصهم، فهي ليس بجعبتها سوى خفض الإنتاج عندما تدق طبول الحرب على أسعار النفط مهددة إياها بالهبوط، ومن حسن حظ «اوبك» أنها عقدت اجتماعها الأخير والرياح لا تزال تدفع بسفينتها إلى بر الأمان فأبقت سقف إنتاجها من دون تغيير ما دام أن الرياح جرت كما تشتهي «اوبك». * رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية. [email protected]