يستحيل أن تجد كاتباً بلا قارئ، ويستحيل أكثر أن تمر الكتابة بلا رد فعل، ولن يبرز نجم كاتب إلا وله من المتابعين المعجبين ما يكفيه لمواصلة إدمان الكتابة، وبرأيي الشخصي أن رد الفعل نحو ما يُكْتَب تأتي على طريقة التقطير أو بناء على التماس مع المصلحة الشخصية البحتة، وهذا لا يعني أن القارئ بلا عشق لرد الفعل، لكنه يكتفي بأي وسيلة اتصال شخصية ليمرر رأيه ورده على عجل وبتخفٍ وأسطر مختصرة، لتظل ردود الفعل عبر وسائل الاتصال الشخصية متقاطعة مع الكاتب ذاته لا مع الفكرة والطرح. أشعر بشيء من السرور حين يتقاطع معي قارئ في الفكرة وصلب ما يُكْتَب، لكن حماسة البعض يتجاوز لانتقاد الشخص والتشكيك في النيات من دون أن يمر إلا على الأسطر التي لا تعجبه أي أنه يقرأ الكاتب بتجزئة المقال على أوجه عدة وتأويل الأسطر بحسب المظهر إن كانت الملامح الشخصية تحتمل التصنيف اعتماداً على الشارب والعقال. دائماً يتردد القارئ من رد الفعل لاعتقاده بأن الرد يجب أن يضاد المقال المكتوب، ليفتش سطراً بسطر، وأحياناً قد يستفز الكاتب مشاعر معينة فيتبرع اثنان أو ثلاثة بالرد على طريقة حائط الصد، لا المواجهة بالعقل والمنطق. هناك من يقرأ ويقرأ بدقة وثقافة تتجاوز قدرة الكاتب على التنفس والبوح والتقاط الأفكار والتبرع بها في زاويته اليومية، لكن القارئ يفقد النفس الطويل ذلك الذي يتطلبه رد الفعل ويفقد معها الجرأة في الكتابة والنقاش والحوار ليس من أجل الاختلاف، بل من أجل الوصول لنقطة التقاء إلا في حال اعتقاد أن الكتاب قادرون على عرض الأفكار والرؤى بما لا يدع أي مساحة لقارئ في المقابلة والتضاد والالتقاء وهذا المستحيل بعينه! لا أزال متأكداً منه أن هناك قراءً لا تتملكهم الحماسة ولا تأخذهم الشجاعة للتضاد مع طرح كاتب ما أو التوازي معه إلا إذا كان يمثل قناعة ذاتية أو مدفوعاً من فئة معينة لاصطياد الكاتب واستخراج سطر واحد فقط لتفكيكه وتفسيره وبناء الحكم العام الكلي، وهنا تصبح المسألة شخصية بحتة لا رداً مفصلاً مقنعاً، أو «تعقيباً/ تعليقاً» هادئاً عاقلاً. أعْجَبُ بالتصحيح والتعارض مع المطروح، قد أختلف في زاوية الرؤية إنما بالحوار والهدوء والقراءة الواعية سنصل إلى منطقة التقاء منطقية، فلم يخلق الكاتب ليأتي بالمقال موزوناً على العقول والأفئدة، ومرضياً لكل أطراف القراءة وهذا بالطبع ما يصعب تحقيقه؟ الكتابة هي فعل استنزافي منهك متعب لمن يعرف قيمتها وضريبة الدخول في بواباتها، هي احتراق من أجل صيد الفكرة والذهاب الشجاع لمناطق الظلام من أجل إضاءة ولو شمعة، واسألوا الشعيرات البيضاء التي تغازل الرؤوس، ولكن على الطرف الآخر يظل لهذا الفعل المرهق رد فعل مطلوبة تتجه للرؤى والأفكار، ولا بأس فلتضرب على المفاصل والأطراف لكن لا تشكك في النيات أو تفسر بناء على الهوى وتذهب دائماً بالسؤال عن الجذور والجغرافيا، وتقرأ انطلاقاً من السيماء وتفاصيل الوجه، القلم أمانة قبل أن يكون بوحاً خالصاً منفرداً وعلاجاً لجروح مختلفة المساحة والتأثير. [email protected]