تعمدت أن أكتب متأخراً حول هذا الموضوع، لأنني أعلم أن كتابته في رمضان ربما يعلل المسؤولون بضيق الوقت لتنفيذه أو تطبيقه، أو يبقى حبيس الأدراج لدى موظفي العلاقات العامة لضيق الوقت، أو أنهم مشغولون بختم القرآن في العمل، وبذلك لن نستفيد من نشر الموضوع، مادامت كل الإدارات الحكومية وموظفيها ينامون بكامل جفونهم في رمضان، فهل يعقل أن يبقى هذا الموضوع متيقظاً والوحيد الذي يتنقل بكل همة ونشاط من يد الى آخر لمعالجة طرق إخراج الزكاة الشخصية للأفراد. لا يزعجني منظر مثلما أراه في شهر رمضان المبارك، تجمع عدد كبير من الفقراء والمحتاجين أمام أحد القصور أو الفيللات أو حتى أمام أحد مكاتب الشركات في انتظار المساعدة، أو يركض مجموعة من الناس خلف شخص داخل الحرم المكي أو المسجد النبوي لأنه يحمل ظروفاً يقدمها كيفما جاءت ومن دون وعي أو إدراك، أو يلتف الكثير من المتسولين على سيارة يجلس فيها ثري يريد أن يتصدق عن نفسه، لا يكلف نفسه أن يودعها في جمعية أو يذهب إلى المحتاجين في بيوتهم أو المتعففين، بل يصر أن يجلس داخل سيارته ليوزع عشوائياً الصدقات. أما العشر الأواخر في رمضان فحدث عنها ولا حرج، بسطات الزكاة تنتشر على الأرصفة وأمام البقالات يبيع فيها كل من يستطيع أن يشتري كيس شعير أو أرز أو قمح ويتحول إلى بائع لإخراج الزكاة، وتجد حول هذه البسطات متسولين ومتطفلين يتزاحمون متى ما وقف عليه أحد. أجزم أن كيس الأرز أو القمح بيع أكثر من 15 مرة على الزبائن بدعوى إخراج الزكاة. ربح منها التجار أكثر مما حصل عليها المحتاجون. صورة مشوهة لإخراج الزكاة تتم منذ سنوات وأمام مرأى ومسمع الجهات الحكومية المعنية، وكان هذا الموضوع ليس مخالفاً أو يحتاج الى ضبط، لا ترى بلدية أو هيئة الأمر بالمعروف أو جهات ومؤسسات دينية أو حتى الجهات الأمنية، ان هذا التسيب والانفلات في إخراج الزكاة الشخصية للأفراد، يشكل خوفاً أمنياً كبيراً قد تكون مصدراً لتمويل جماعات إرهابية تستغل هذا الانفلات في جمع أموال أو توظيف شباب إن لم يتم الالتفات إليها واعتبارها مسألة أمنية يجب الانتباه وتنظيمها. ما الذي يمنع أن تقوم جهات مشبوهة أو أشخاص مُعنَون بجمع الأموال أن تستغل هذه المناسبة الدينية والحدث المهم بالنسبة للمسلمين، في أن تفترش الأرصفة أو تجلس أمام محل وتبيع حبوب الزكاة، وتعيد بيعها بعدما تشتريها من المحتاجين بأسعار بخسة. تقريباً أنفقنا 270 مليون ريال، باعتبار أن العدد الإجمالي لسكان السعودية 27 مليون نسمة بمن فيهم المقيمون، وأيضاً على اعتبار أن الزكاة تستوجب على الجميع من أفراد الأسرة، غير طبعاً الزكوات الأخرى مثل زكاة الذهب والفضة والماشية، وزكاة الشركات السعودية والمؤسسات، إلا أنني أتحدث عن زكاة الأفراد التي يخرجها رب الأسرة عن نفسه وعائلته، وهذا الرقم ليس مطابقاً إنما اعتبرت أن قيمة الزكاة لا تقل عن عشرة ريالات، وإن كان البعض اشتكى ان قيمة الزكاة ارتفعت ووصلت الى أكثر من 16 ريالاً، وبعملية حسابية تقريبية، هل يمكن ان تصدقوا أن سوق الزكاة استهلك ما يقارب 81 ألف طن من الحبوب والقمح أو الأرز؟! بالله عليكم أخبروني هل تصدقون أننا استهلكنا هذه الكمية في إخراج الزكاة؟ أكاد أجزم ويمكن التأكد من مستودعات تجار الحبوب أن 30 في المئة فقط هي التي تم تداولها في السوق، وهذه النسبة او الكمية التي تكرر بيعها أكثر من عشر مرات نتيجة التوزيع العشوائي وعدم التنظيم، وهذه ذكرتني حقيقة بمكررات الأرباح لدى الكثير من الشركات في سوق الأسهم السعودية. نعود إلى مسألة توزيع الزكاة: لماذا لا يتم تطوير إخراج الزكاة بما يحقق الفائدة للمجتمع وتصل الى أصحابها، قد يقول البعض: الجمعيات الخيرية الناس لا تذهب إليها، والبعض الآخر يقول إنه يريد أن يتأكد بإيصالها بنفسه إلى مستحقيها، فهل من خلال هذا التوزيع العشوائي وصلت الى مستحقيها؟ جهود جمعيات البر التي تشرف عليها إمارات المناطق، الحقيقة حتى هي طريقتها في جمع التبرعات والزكاة لا يزال بدائياً وغير مطور، وهي إقامة مخيمات والاستفادة من بعض المتطوعين للجلوس عليها، وكثيراً ما تكون شاقة لمن يرغب إخراجها بسهولة. أسلوب استخراج الزكاة الفردية تسير بطريقة مريبة وغير مجدية ومفيدة، وتهدر أموالاً بالإمكان الاستفادة منها واستثمارها وتوزيعها على المستحقين الفعليين، وليس من تجمعوا أمام محال بيع الأرز أو أمام القصور وبيوت رجال الأعمال. في الشهر الفضيل تنشط بعض الجمعيات الخيرية في جمع التبرعات من خلال الرسائل النصية وهي خطوة جيدة، ولكن لماذا تغيب مصلحة الزكاة والدخل من هذه الحملة وأهمية استثمار هذه الأموال بحيث تصل إلى مستحقيها؟ مع الأسف، فإن مصلحة الزكاة معنية بالاهتمام بالشركات والمؤسسات، إلا أنها حتى في هذه تواجه مشكلة في حصر وملاحقة المتهربين من السداد. تشتت جهات تحصيل الزكاة أفقد المشروع الاجتماعي الديني أهميته في الاستفادة منه، والعمل الفردي والعشوائي غير المنظم أسهم في عدم استثمار مبالغ من الممكن أن تساعد الكثير من الأسر المحتاجة والفقيرة. من المهم أن تتدخل جهات حكومية لضبط آلية إخراج الزكاة والجهات المعنية وضرورة أن تصل لأصحابها، ومن المهم جداً معاقبة من يوزعها بطريقة عشوائية سواء أمام منزله أو في الشارع واعتبارها مخالفة ضمن المخالفات التي يجب ضبطها، حتى لا تشوه المنظر العام، أو صورة المسلم المحتاج من ركض أو تشبث بالثوب أو الركض خلف السيارة. تطوير أدوات استخراج الزكاة والاستفادة من تقنيات الاتصالات، أو عمل حساب موحد مع البنوك المحلية أو من خلال مواقع «الانترنت»، سيسهم في تخفيف العشوائية، ويترك المجال واسعاً في سهولة الإجراءات. وهناك تجربة جميلة طبقها صندوق الزكاة في الإمارات؛ وهي تسديد الزكاة الإلكتروني للأفراد، وهي تجربة سهلة وتستحق الإشادة، وإذا ما استمرت الحال هكذا من دون تخطيط أو تنظيم، ستذهب أموال الزكاة في غير محلها، كما أنها ثروة اقتصادية مهدرة نتيجة سوء تصرف. إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected]