ما بين الخفيف والسخيف والعادي وما دون من المسلسلات الرمضانية، يبرز كم ضئيل مختلف من نوع «ما ملكت أيمانكم» لنجدة أنزور. المسلسل الذي ما إن تقع في حلقاته الأولى على «الآنسة» والمأخوذات بها حتى تؤخذ بأجوائه: كآبة شخصياته التعيسة وقتامة أماكنه المغلقة... فتنشدّ إليه لواقعيته على رغم الفواصل الدعائية البدائية التي تتكرر على نحو يسيء الى المتابعة، والتي لا ُترغّب بالسلعة ولا تشجع على استخدامها نظراً للطريقة السخيفة التي تقدم بها. في «وراء الشمس» لسمير حسين، خشينا ان نكون امام مسلسل يريد تلقين الدروس حول المعوقين وإعطاء العبر لإرشاد المواطنين إلى كيفية معاملتهم، لكن المسلسل نجا من هذا الفخ ليقع في آخر، فجاء التطويل والتكرار مع مشاهد لا تضيف إليه سوى الدقائق لإطالة الحلقة مثل مواقف بدرية مع أبو راتب، وعبادة مع والدته وزوجته... الممثلون السوريون الذين تفادى بعضهم التصرف «كنجوم» على الطريقة المصرية، برز منهم بسام كوسا الذي عَرفَنا مرة أخرى، هو «العارف»، بمدى موهبته وتمكنه من الأدوار الصعبة. في «وراء الشمس» يؤكد لنا من جديد أن الممثل ليس هو من يبرز شخصه خلف الشخصية، على مثال سلاف فواخرجي التي تمثل «كليوباترا» وكأنها سلاف، بل هو الذي يجسد الدور بحيث تنسى من يكون وبحيث لا يدع مجالاً لتخيل ممثل آخر بديل منه. أمر يحصل أحياناً حين يحلو للمشاهد القيام بالكاستنغ، هنا يستنتج أنه مع بسام كوسا، ومنى واصف في الأدوار الشعبية، وسلافة معمار (لافتة في «ما ملكت أيمانكم») لا يمكن تخيل غيرهم في هذه الأدوار. أما عابد فهد في «حكايات بنعيشها» فاستطاع الصمود في وجه ليلى علوي على رغم استئثارها بالعمل. لكن المسلسل الذي أراد الابتعاد عن الحلقات الثلاثين «المفروضة» والاكتفاء بحكايتين كل منهما تدوم 15 حلقة تجنباً للتطويل، عانى في قسمه الأول («كابتن عفت») من «المط» أحياناً، على رغم إيجابيات كثيرة مثل أسلوب سميح النقاش الإخراجي المتميز وأداء ليلى علوي الظريف وحضورها المحبب مقارنة مثلاً بأداء إلهام شاهين في «إمرأة في ورطة» الذي تعمد فيه إلى المبالغة. وهذا المسلسل بدأ مملاً منذ لحظاته الأولى. وكان أسلوب التعريف بالشخصيات مفتعلاً لا تشويق فيه (البداية مع اتصال الهام شاهين بأخيها لتفهمه ضرورة حضور تكريم زوجها الراحل)، إضافة إلى عبارات الحب المعادة والأكثر من مملة المتبادلة بين البطلة شاهين وحبيبها (محمود قابيل) والتي، وبعد حلقات قليلة، نجونا منها إنما ليس نهائياً! فبالطبع كانت الحبيبة تستعيدها بين فينة وأخرى حين ينتابها الشوق بعد موت حبيبها. نسجل أخيراً بدء ظهور «بطل» ثانوي في المسلسلات، فثمة شخصيات لم تعد تضيع وقتها في الدوران في أرجاء البيت لتمرير الحلقة، فبدأت تقضي هذا الوقت في المطالعة أو في مشاهدة أفلام «غريبة». الكتاب كان ملازماً لسليم صبري في «وراء الشمس» وأسامة عباس في «كابتن عفت»، فيما قضت ليلى علوي في المسلسل ذاته إحدى أمسياتها وهي تشاهد فيلم «في مزاج الحب» لونغ كار واي!