لاقى قانون «ضريبة القيمة المضافة»، مع بدء تطبيقه في مصر، معارضة قوية من نقابات مهنية تعهدت التصدي للقانون بالوسائل القانونية والسياسية، وصولاً إلى إسقاطه أو على الأقل تحسين ظروف تطبيقه. وبدأ تطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة في أيلول (سبتمبر) الماضي، عقب تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي عليه بعد إقراره في مجلس النواب. والضريبة نسبتها 13 في المئة تُفرض على غالبية السلع والخدمات، لكن القانون أعفى سلة من السلع الأساسية وخدمات عدة، مثل التعليم والإنتاج الإعلامي وبعض الخدمات الصحية وغيرها، في محاولة لتجنب رفع أسعار تلك السلع والخدمات المعفية، خصوصاً في ظل زيادة نسبة الفقر بعد ارتفاع أسعار غالبية السلع بنسب كبيرة خلال العام الحالي. وارتفعت معدلات الفقر، وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إلى نحو 28 في المئة. ولا يستطيع الفقراء تلبية حاجاتهم الأساسية، حتى من الغذاء، إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة إلى نحو غير مسبوق. وتعيش البلاد أزمة اقتصادية خانقة شغلت الحكومة والرأي العام مع ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية إلى مستويات غير مسبوقة، إذ كسر حاجز 13 جنيهاً، علماً أن السعر الرسمي للدولار لم يتخط 9 جنيهات. وتعاني مصر موجات تضخمية متتابعة تخطت 12 في المئة على أساس سنوي، وفق تقرير للبنك المركزي. ولم تؤت محاولات الدولة للجم الأسعار ثمارها. وكان وزير المال السابق هاني قدري توقع في آذار (مارس) عام 2015 أن تسهم ضريبة القيمة المضافة في رفع التضخم بنسب تتراوح ما بين 2 و3.5 في المئة. ولاقى القانون اعتراضات من نقابتي المحامين والمهندسين اللتين طالبتا بالنقاش مع الحكومة في شأن القانون، قبل تطبيقه على أصحاب المهنتين. ونظم مئات المحامين وقفة احتجاجية الأسبوع الماضي أمام دار القضاء العالي هتفوا خلالها ضد القانون، ورفعوا لافتات تطالب باستثناء المحامين من تطبيقه. ووفق القانون، يلتزم المحامون والمهندسون والمحاسبون التجاريون التسجيل لدى مصلحة الضرائب، على أن يقوموا كل شهر بتوريد نسبة ضريبة القيمة المضافة المستحقة على معاملاتهم وفقاً للفواتير الممنوحة للعملاء. والضريبة هي أساساً ضريبة غير مباشرة يتم تحصيلها من العملاء بنسبة 10 في المئة على تلك الخدمات، لكن يلتزم أصحاب تلك المهن توريد تلك النسبة للمصلحة، علماً أن عدداً كبيراً من أرباب تلك المهن لا يتعامل أصلاً بفواتير مع عملائه، ويدفع ضرائب على أرباحه السنوية. واعتمدت نقابة المحامين مساريْن لمواجهة القانون، قانوني وسياسي، إذ أقامت دعوى أمام مجلس الدولة ضد قرار الجهة الإدارية دعوة المحامين الى التسجيل في مصلحة الضرائب تمهيداً لتحصيل الضريبة الجديدة. وتهدف النقابة من تلك الخطوة إلى الطعن أمام محكمة القضاء الإداري على القانون الجديد بعدم الدستورية، ما يُمهد بإحالته من القضاء الإداري على المحكمة الدستورية العليا للنظر في دستوريته. أما المسار السياسي، فيتمثل في مفاوضات يجريها نقيب المحامين سامح عاشور مع البرلمان والحكومة في شأن خضوع المحامين للقانون. وخاطب المجلس الأعلى لنقابة المهندسين رئيسَي الوزراء شريف اسماعيل والبرلمان الدكتور علي عبد العال لطلب «إرجاء تطبيق قانون القيمة المضافة، وفتح حوار مع النقابات المهنية المخاطب بها القانون للوصول إلى صيغة توافقية في شأنه». وقال في بيان «إن النقابة سبق وشاركت في مناقشة قانون القيمة المضافة مع العديد من النقابات المهنية، وسجلت اعتراضها على عدد من مواده، خصوصاً إعفاءه للعديد من المهنيين، ما يعد تفرقة في الحقوق الدستورية، ومحاسبة المهندسين والعديد من المهنيين ضريبياً كل عام، ما يعد ازدواجاً ضريبياً مرفوضاً». وتقول نقابة المهندسين أن العديد من المهندسين الشباب الذين يعملون فرادى، ليست لديهم القدرة الفنية والمالية لعمل سجلات لتطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة، ما يعرضهم لعقوبة قد تصل إلى الحبس. وحذرت من أن تطبيق هذه الضريبة سيزيد من الأعباء الملقاة على المواطنين المتعاملين مع القطاع الهندسي في مجال الاستشارات الهندسية وقطاع المقاولات. وتضامنت نقابة المهندسين مع المحامين في الدعوى القضائية للطعن على هذا القانون، وأعلنت المشاركة فيها «كطرف أصيل». وقال نقيب المحامين سامح عاشور ل «الحياة» أن فريقاً من كبار المحامين يُعد الآن «أسانيد عدم دستورية القانون»، لافتاً إلى أن القانون فرّق بين المهنيين، إذ أخضع بعضهم للقانون وأعفى آخرين. وأشار عاشور إلى أنه التقى رئيس البرلمان لبحث الأمر، موضحاً أنه طالب ب «استبعاد أعمال المحاماة أمام المحاكم من تطبيقات القانون من أجل تحقيق حق الدفاع والتقاضي الذي كفله الدستور». وأضاف أن النقابة تقترح قصر تطبيق القانون على تسجيل عقود الشركات والأراضي وغيرها، إضافة إلى وضع حد أدنى 500 ألف جنيه دخلاً لتطبيق تلك الضريبة على المحامين. وقال عاشور أنه تم الاتفاق على عقد لقاء مع مسؤولي وزارة المال المعنيين بوضع اللائحة التنفيذية للقانون، لمناقشة كل الأمور العالقة، وتم الاتفاق على عدم صدور اللائحة التنفيذية إلا بعد الانتهاء من المفاوضات مع نقابة المحامين. لكنه شدد على أن تلك المناقشات والمحادثات لن توقف المسار القانوني المتمثل في الطعن على القانون بعدم الدستورية. وترى الحكومة أن لا مبرر لاحتجاجات المحامين والمهندسين والمحاسبين التجاريين، إذ تقول أن الضريبة الجديدة لن تُحملهم أي أعباء مالية إضافية، وأنه لا ازدواج ضريبياً في محاسبتهم، إذ إن ضريبة الدخل التي يتم تحصيلها منهم سنوياً هي ضريبة على أرباحهم، أما ضريبة القيمة المضافة، فهم ليسوا المُخاطبين بها، ولكنّ عملاءهم، وكل ما سيتحمله أصحاب تلك المهن هو تحصيل نسبة 10 في المئة إضافية من العملاء وتوريدها لخزينة الدولة. وأكد مسؤولون في وزارة المال أكثر من مرة أن الحكومة ناقشت قيادات النقابات المهنية في القانون قبل إصداره. لكن نقيب المحامين أكد أنه هو ونقباء آخرون كانوا اجتمعوا مع رئيس الوزراء ووزير المال السابق قبل إصدر القانون الذي تم عرضه خلال الاجتماع، «فرفضناه جميعاً، وحذرنا من إصداره قبل الوصول إلى توافق في شأنه، وما حدث أننا فوجئنا بإحالة القانون من الحكومة على البرلمان، ثم إقراره، من دون توافق».