هاتف ذكي يتوهج في الظلام    شكرًا لجمعيات حفظ النعم    خريف حائل    الدفاع المدني يحذر من المجازفة بعبور الأودية أثناء هطول الأمطار    الدبلة وخاتم بروميثيوس    صيغة تواصل    أماكن خالدة.. المختبر الإقليمي بالرياض    السل أكبر الأمراض القاتلة    نجد فهد: أول سعودية تتألق في بطولات «فيفا» العالمية    توطين قطاع الطاقة السعودي    أولويات تنموية    «الرؤية السعودية» تسبق رؤية الأمم المتحدة بمستقبل المدن الحضرية    الأنساق التاريخية والثقافية    نورا سليمان.. أيقونة سعودية في عالم الموضة العالمية    محمد البيطار.. العالم المُربي    من المقاهي إلى الأجهزة الذكية    «إسرائيل» تغتال ال«الأونروا»    هوس التربية المثالية يقود الآباء للاحتراق النفسي    رحلة في عقل الناخب الأميركي    لوران بلان: مباراتنا أمام الأهلي هي الأفضل ولم نخاطر ببنزيما    عمليات التجميل: دعوة للتأني والوعي    المواطن شريك في صناعة التنمية    الرديء يطرد الجيد... دوماً    مرحباً ألف «بريكس»..!    وبس والله هذا اللي صار.. !    لماذا مشاركة النساء لم تجعل العالم أفضل ؟    الأعمال الإنسانية.. حوكمة وأرقام    عسكرة الدبلوماسية الإسرائيلية    عن فخ نجومية المثقف    الذكاء الاصطناعي طريقة سريعة ومضمونة لحل التحديات    المرأة السعودية.. تشارك العالم قصة نجاحها    أندية الدوري الإسباني تساعد في جمع الأموال لصالح ضحايا الفيضانات    يايسله يُفسر خسارة الأهلي أمام الإتحاد    رسالة رونالدو..    النصر يلاحق العضو «المسيء» قانونياً    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان ملك إسبانيا إثر الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق بلاده    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الخسارة أمام الاتحاد    وزير الإعلام يعلن إقامة ملتقى صناع التأثير «ImpaQ» ديسمبر القادم    وزير الداخلية السعودي ونظيره البحريني يقومان بزيارة تفقدية لجسر الملك فهد    «الاستثمارات العامة» وسلطة النقد في هونغ كونغ يوقعان مذكرة تفاهم استثمارية    أمانة القصيم تكثف جهودها الميدانية في إطار استعداداتها لموسم الأمطار    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    المرشدي يقوم بزيارات تفقدية لعدد من المراكز بالسليل    أمانة القصيم تنظم حملة التبرع بالدم بالتعاون مع جمعية دمي    أعمال الاجتماع الأول للتحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين تواصل أعمالها اليوم بالرياض    الأرصاد: استمرار الحالة المطرية على مناطق المملكة    خدمات صحية وثقافية ومساعدون شخصيون للمسنين    جوّي وجوّك!    لا تكذب ولا تتجمّل!    «الاحتراق الوظيفي».. تحديات جديدة وحلول متخصصة..!    برعاية الملك.. تكريم الفائزين بجائزة سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه    معرض إبداع    مهرجان البحر الأحمر يكشف عن قائمة أفلام الدورة الرابعة    أحمد الغامدي يشكر محمد جلال    إعلاميون يطمئنون على كلكتاوي    الإمارات تستحوذ على 17% من الاستثمارات الأجنبية بالمملكة    جددت دعمها وتضامنها مع الوكالة.. المملكة تدين بشدة حظر الكنيست الإسرائيلي لأنشطة (الأونروا)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيرة مختصرة لقصيدة سعدي يوسف
نشر في الحياة يوم 24 - 03 - 2009

في قرية صغيرة في صحراء السماوة جئت إلى هذا العالم، وفي الستينات كنتُ أرعى الأغنام، قرب الطريق الترابي الواصل بين مدينة السماوة التي كانت آنذاك بعيدة عن قريتنا ويفصل بيننا وبينها السراب والكلاب الضالة، وبين سجن نقرة السلمان القريب من الحدود العراقية - السعودية، وكنت ألوّح دائما لسيارات خضراء مغلقة ذات شبابيك صغيرة تحمل بداخلها سجناء يُدفع بهم بشكل دائم إلى ذلك السجن. ودائما يلوّح لي بعضهم، فتكون فرحتي كبيرة، وأبقى أركض ككلب وراء تلك السيارة الخضراء، وربما ابتسم بعضهم، حينما يراني عارياً، ذلك أن ثوبي الوحيد تم غسله في ذلك اليوم فأبقى عارياً حتى يجف.
في عام 1963 كان سعدي يوسف واحداً من هؤلاء السجناء، ربما شاهد ذلك الصبي العاري، وربما لوّح من وراء شبابيك تلك السيارة الخضراء، من دون أن أعرف أو يعرف هو. قادوه إلى ذلك السجن في الصحراء، الذي لو حاول ساكنه الهروب منه والوصول إلى مكان فستكون قريتنا هي أول إشارة حياة، لكن في ذلك الوقت إن لم يقتل العطشُ الهاربَ إلى قريتنا تفترسه الذئاب. لهذا لم يوفق أي سجين بالهرب والوصول حياً... كانت الذئاب تصل إلينا في الفجر وتنجح دائما في افتراس أغنامنا.
وبعد أعوام من الفاقة والتيه، وبعدما أصابتني لوثة الشعر نتيجة الوحدة مع الأغنام والعزلة في المدرسة، العزلة التي يواجها تلميذ قروي، القمل يهمي من ملابسه والفقر يشع من ملامحه، وصلت إلى المكتبات المحلية، وفيها اكتشفت ديوان سعدي يوسف: «الأخضر بن يوسف ومشاغله»، الذي صدرت طبعته الأولى في بغداد بعد عودته من المنفى، وكتابه الشعري: «نهايات الشمال الأفريقي» الذي نشرته آنذاك دار العودة في بيروت كما أعتقد. شخص ما، من أقربائي رآني تائهاً في المكتبة وأنا أقلب كتاباً ترجمه شخص اسمه مصطفى القصري، اسمه: بودلير، الشاعر الرجيم، فتنتني فكرة الشاعر الرجيم.
هذا الشخص أرشدني إلى دواوين سعدي يوسف. اقتنيت الكتابين وعدت إلى القرية وعلى ضوء الفانوس قرأت:
«توهمت انك زاويتي، والمدارَ الذي يقفُ النجمٌ فيه
توهمت نخلَ السماوة، نخل السماواتِ
حتى حسبتكِ عاشقةً،
فانتظرتُ النهارَ الذي يطلعُ النجمُ فيه...»
لم أمسك بكثير من هذا الشعر آنذاك، لكن ذلك الشعور الغريب الذي تملكني جعلني أتواصل مع قراءته وإعادة قراءته، فقد كنت أريد أن افهم علاقة هذا الشاعر بمدينتي ونخلها... ثم «سيدة النهر»، عنوان القصيدة، لماذا؟ هذا الشعور الغريب هو المفتاح الذي كان بين يدي والذي لم أجد قفلاً لكي افتحه، لكنني بقيت أسير أوهام أو رغبات أو تفاصيل تمنحها قصائد سعدي يوسف لقارئٍ مثلي، أو تحلّ فيّ، ليس العالم الذي قدم منه، ليس قرْب قريته من قرية بدر شاكر السيّاب، لكن أيضاً وبشكل خاص تلك البساطة التي تبدو وكأنها في متناول اليد لمن شاء تفاصيل الحياة اليومية وجزئيات التاريخ والأحداث المخبوءة وهي تنزّ في القصيدة قطرة قطرة لكي تشكل لنا تاريخاً مكثفاً في عدة أسطر. هذه هي قصيدة سعدي يوسف.
لهذا فما أن أصدرت محاولتي الشعرية الأولى حتى أهديتها إلى «الأخضر بن يوسف»، وما أن شربت ماء الشعير السومري للمرة الأولى حتى تشجعت واتصلت به تلفونياً في بغداد لكي أعرف ان كانت مجموعتي قد وصلته... ومذ ذاك ونحن نتنقل من مكان إلى مكان، ونلتقي هنا وهناك، وقصيدة سعدي يوسف كانت محط اهتمامي بشكل دائم، اقرأها حينما تكون طازجة، وحينما استعيد محطات حياتي... ففي أول عودة لي إلى العراق عام 2003 بعد 25 عاماً من الفراق كان اللقاء في السماوة مع أصدقاء تلك الفترة عبارةً عن استعادة قصائد سعدي يوسف عن ظهر قلب... فقصائده كانت بالنسبة لأفراد جيلي نوعاً من كلمة السر التي تؤكد لنا ما هو ثقافي وسياسي واجتماعي.
أبا حيدر، حييتك حينما كنتَ أنت سجينا مقاداً في سيارة السجن وأنا طفل عارٍ يرعى الأغنام، وحييتك بمجموعتي الشعرية الأولى، طلباً للإعتراف، وها أنا أحييك مجدداً أيها المعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.