ليس بمستغرب أن تحصد الفنانة التشكيلية السعودية غادة الحسن جائزة الدكتورة سعاد الصباح في الكويت قبل أيام؛ فهذه التشكيلية وإن بدت صامتة طوال العام إلا أنها تشتغل على تجربتها بكثير من الصبر والحس الفني المتيقظ ويحضر الإنسان من خلال تعابير وجوهه المختلفة التي تسعى الحسن إلى إضافته كعامل مؤثر ومساند لمكونات البيئة الأخرى مع إيجاد ومضة مركّزة للمكوّن التقني والمعرفي، بغض النظر عن قبول المتلقي للعمل أو رفضه. وتقول الحسن: «إن النقد التشكيلي غير موضوعي، وهناك من يهاجم الفنان بشكلٍ لا يخلو من تجنٍ». وتعترف في حوار مع «الحياة» أن الفن التشكيلي لا يزال مظلوماً في المجتمع السعودي بوجهٍ خاصٍ، ولا يحظى بما تحظى به الفنون الأخرى». إلى تفاصيل الحوار: ماذا تمثل لك جائزة الدكتورة سعاد الصباح في الملتقى الثاني للتشكيل الخليجي، والتي حصلتِ عليها قبل أيام في الكويت؟ - مجرد ترشيحي للمشاركة في الملتقى الخليجي إلى جانب عدد من الأسماء التي لها ثقلها في الساحة التشكيلية مدعاةٌ للفخر، إضافة إلى الإحساس بالمسؤولية بأني أمثل بلدي ولا بد أن أكون جديرة بذلك. الجائزة ألقت على عاتقي همّاً أكبر ورغبة في أن أكون عند حسن الظن بي، وقد كنا خمسة من السعودية: الفنان أحمد فلمبان والفنانة زهرة بوعلي والفنانة نجلاء السليم والفنانة خلود البقمي وأنا، وأود أن أشير إلى أن الحضور النسائي النوعي وبهذا العدد دليل آخر على جدارة الفنانة السعودية بتمثيل بلدنا الحبيب في المحافل الدولية. كما كانت هناك أسماء كبيرة ورائدة من دول الخليج الأخرى مثل نجاة مكي وعبدالكريم البوسطة وعبدالكريم العريّض وعلي المحميد وحسن الملا وأسماء أخرى من أجيال مختلفة، كان لي الشرف بالتعرف عليها والاطلاع على تجربتها وكانت الجمعية الكويتية رائعة في كل شيء وليس في توزيع الجوائز فحسب، فكان التكريم للرواد والجوائز من نصيب الشباب كما أنه لم تستأثر بها دولة عن أخرى، بل وزعت بشكل منصفٍ بشكل جعل الجميع راضياً. في اعتقادك، هل الحركة التشكيلية السعودية تبشر بخير اليوم، وماذا عن النقد التشكيلي، هل ارتقى إلى مستوى التجارب أم أن النقاد قلّة في هذا المضمار؟ - استطاعت الحركة التشكيلية السعودية - على رغم حداثة نشأتها، مقارنة بشقيقاتها في الدول الأخرى - أن تصطف معهم جنباً إلى جنب بمستوى رائعٍ وراقٍ، بل وتتفوق عليهم أيضاً. وقد شهدتُ بنفسي في أكثر من تجربة خارجية مدى انبهار الآخرين بالتجربة السعودية واندهاشهم لما وصلنا إليه، لكن النقد التشكيلي لم يواكب التطور السريع للحركة التشكيلية، فهو بشكل عام لا يرقى للمستوى الذي وصلت إليه التجارب السعودية، وغالب ما يوجد في الساحة التشكيلية في الوقت الحالي مجرد آراء وانطباعات ذاتية، تميل معظمها إلى المجاملات وتبتعد عن الموضوعية أو ربما تأخذ الطريق المعاكس وتهاجم الفنان بشكل متجنٍ، ولا نزال بحاجة إلى الناقد المنصف الذي يتناول تجربة الفنان وينير الطريق أمامه. إذا ما علمنا أن الفن التشكيلي الحديث تجاوز مرحلة الفرشاة واللوحة إلى الفن المفاهيمي أو ما بعد الحداثة، واستثمار بقايا البيئة وتوظيفها جدياً وفكرياً في ثنايا الأعمال؛ فهل تعتقدين أن هذا اللون لا يزال يصعُب تلقيه كشكل فنيٍ جديد؟ وهذا يقودني أيضاً إلى سؤالك عن اعتراف المجتمع السعودي بالفن التشكيلي عموماً واعتباره رافداً آخر من روافد الثقافة؟ - الاتجاهات الجديدة في الفن ينقسم الناس حولها ما بين متحمس ومتقبل ورافض، وليست هناك ردة فعل واحدة حولها كطبيعة البشر إزاء كل ما هو جديد، ولذلك ليس علينا انتظار الرضا الكلي عنها، فالإصرار على طرحها في الساحة التشكيلية سيجعلها مألوفة لدى المتلقي وسيتقبلها مع الوقت. أما عن اعتراف المجتمع السعودي بالفن كرافد من روافد الثقافة، بشكل عام الفن كان ولا يزال مظلوماً في المجتمع ولا يحظى بما تحظى به الفنون الأخرى، ولكن هناك بعض المناطق التي يوجد بها احتفاء واحتواء للفنون أكثر من المناطق الأخرى. فمثلاً منطقة القطيف وهي معروفة بتفوقها الأدبي والفني، تجد أبناءها على درجة كبيرة من الثقافة والوعي وتذوق الفنون ومناقشتها بالصورة التي تضيف للفنان ولتجربته الفنية الشيء الكثير. وتشهد الساحة التشكيلية في المنطقة الشرقية تحركاً نسائياً بمعارض شخصية مميزة، وقدمت كل فنانة تجربة جديدة مغايرة رغبةً منها في تعزيز بصمتها وأسلوبها الخاص بها. لا تزال وزارة التربية والتعليم في السعودية تتجاهل أهمية حصص التربية الفنية وعدم الارتقاء بوعي معلمي هذه المادة وانفتاحهم على مختلف المدارس الفنية، فهل يمكن أن نعد هذا سبباً من أسباب تهميش الفن التشكيلي والفنانين من المجتمع؟ - لسوء الحظ لا تزال حصص التربية الفنية في غالب المدارس هامشية وغير مهمة وقابلة ل(التسليف)، كما يتولى أمرها غير المتخصصين، وهذا ينعكس بدوره على الطلاب والطالبات فينشأ جيل غير مدرك لأهمية الفن وغير قادر على تذوق الفنون وتقبلها. هل يجب على الفنان التشكيلي البقاء في أسْر مدرسة فنية معينة، أم أن عليه خوض غمار تجريب مختلف المدارس التشكيلية؟ - هذا يعتمد على الفنان وموضوعاته وفلسفته، فالفن لا توجد به قواعد ومفروضات، كما أننا الآن في عصر انتهى فيه الانتماء إلى مدرسة واحدة، وأصبحت الأساليب مفتوحة على بعضها بعضاً، وللفنان في النهاية حرية الاختيار. الاتكاء على موضوع معين في العمل الفني، هل هو من أولويات طرح التجربة، أم أن ذلك يعد تأطيراً للعمل والاستحواذ عليه، وماذا عن العلاقة بين الفن الجميل والفنون الأخرى كالشعر والرواية وغيرهما؟ - من الأفضل للفنان عندما يبدأ تجربة أن يشبعها من جميع جوانبها قبل الانتقال إلى فكرة جديدة، وقد تستغرق عملية البحث عند بعض الفنانين سنوات طويلة، أما عن العلاقة بين الفنون فهي مرتبطة بعلاقة وطيدة لا تنفصل وتصب في المصّب نفسه وتمر بالأطوار ذاتها. ماذا تودين أن تصلي إليه من خلال مشروعك الفني؟ - أنا لا أضع نصب عيني هدفاً واحداً ما إن وصلتُ إليه وصلتُ للرضا، بل إن الأهداف لدي تتوالد وأسعى لتحقيقها بالعمل المضني، والرضا، وهذا لن يتحقق إلا بعد انطفاء آخر شعلة لي في الحياة.