قبل مدة وخلال تصفحي بعض الصحف، لفت اهتمامي مقال عن المعرض العام الأول لأعضاء الجمعية السعودية للفنون التشكيلية وبالتحديد ما نقل على لسان الوكيل الجديد لوزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية من أن «الوزارة لن تتعامل مع حالات فردية وبالتالي لن تسمح بأية فعالية في مجال الفن التشكيلي ما لم تكن تحت مظلة الجمعية السعودية للفنون التشكيلية، وأن «الوكيل توقع أن يزداد عدد المنتسبين والمنتسبات للجمعية خلال السنوات المقبلة». استوقفتني هذه الكلمات كثيراً لدرجة أنني قرأتها وأعدت قرأتها مرات عدة، فلو كنا في وضع مثالي للجمعية، لكنا فعلاً نحسد على هذا الدعم القوي من الوزارة. إنما والوضع الحالي كما هو، فهذه الكلمات من صانع القرار في الوزارة تشير إلى تغيير في النظرة إلى الإبداع، وبداية اتجاه محزن إلى عزل المبدع في زاوية ضيقة وسحب كل الخيارات الأخرى منه. وفي ظل مثل هذا الأفق ومثل هذا الوصاية، كيف يمكن أن نتوقع منه أن يبدع فناً مميزاً؟ سيكون رساماً وفق ما يطلب منه في هذا الحيز المحدود، ولكن هل هذا هو المستوى الذي نطمح له فعلاً في منجزنا التشكيلي الذي نتوقع أن يسهم ويضيف إلى المنجز الثقافي الإنساني؟ أليس مبدعو هذا الوطن - ومنهم التشكيليون - هم ثروته الحقيقية؟ ألا يهم الجميع المحافظة على هذه الثروة وتوفير البيئة الصحية لها والأفق الرحب الذي يمكن للإبداع أن ينمو فيه؟ في اعتقادي أن من واجب الوزارة حفظ حقوق المبدع بغض النظر عن كونه عضواً في جمعية وتحت مظلتها. أتمنى أيضاً من الوزارة أن تُرْجِع قرار العضوية إلى الفنانين أنفسهم من الجنسين، فقد يختار الفنان أن يكون خارج كل الجمعيات لأسباب تخصه هو، أو قد لا تكون لديه قناعة بهذه الجمعيات في مرحلة معينة، أو قد لا تعبر هذه الجمعيات عن طموحاته ولا يجد فيها ما يضيف إليه. ثم أي مستوى لهذه الجمعية نريد؟ إذ يزج الأعضاء إليها عنوة؟ هذه ليست الجمعية التي سعينا جميعاً - فنانات وفنانين- لتأسيسها. لقد أسسنا جمعية نظامها أساسي وأهدافها معلنة وواضحة وبمباركة من الوزارة. جمعية تكون أفقاً رحباً لجميع أعضائها، جمعية تكون بمثابة البيت الذي يجمعهم بحميمية ويقبلون على عضويته برغبة شديدة وبكامل الحرية. ولقد أقبل الأعضاء المؤسسون بشكل قوي في أول اجتماع لتأسيس هذه الجمعية، ما يدل على رغبتهم الحقيقية وحاجتهم إلى مثل هذا الكيان. لكن عندما تعاني هذه الجمعية من مشكلات وإعاقات لنموها الطبيعي، وعندما ينحرف مسارها عن النظام الأساسي، وذلك باعتراف الكثيرين ومنهم أعضاء في مجلس الإدارة، فهذا يكشف لنا عن مدى الحاجة إلى مراجعة قانونية أولاً ثم متابعة إدارية من الوزارة، مع وجود لجنة تدقيق مستقلة للتأكد من تطبيق النظام الأساسي واللوائح الداخلية وسير العمل. المتوقع من الوزارة هنا وفي ظل هذا الوضع أن تبحث في أسباب غياب الفنانين وابتعادهم عن الجمعية التي طالما تطلعوا إلى تشكيلها وجاهدوا لتأسيسها، قبل مطالبتها إياهم بالعضوية. العضوية جزء مهم وضروري لعمل واستمرارية أي جمعية، لكنها تأخذ أبعاداً رمزية وجمالية أكبر عندما تأتي من رغبة حقيقية وإقبال ذاتي من المبدعين أنفسهم، وعندما تعطيهم في المقابل ما يستحقونه من مردود معنوي وحقوقي. * فنانة تشكيلية.